طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات


يوم المطحنة


على طول مجرى جدول مياه وادي السير الممتد من عين الخيل قرب بئر ماء السلطة الذي يسقي مناطق غرب عمان ويسد حاجتها من مياه الشرب ، ليصل الى قرية عراق الامير مرورا بعين الدير ومنطقة الدير ابو البطايح وقرية البصة الفوقا و البصة التحتا ثم منطقة السقي و عين الطرابيل، وعلى ضفاف هذا المجرى تصادف اكثر من خمسة طواحين ماء التي كانت حتى عهد قريب تطحن الحبوب وكانت عامرة بالحركة والنشاط ، وكانت تعتمد على استخدام قوة حركة المياه التي تسقط من ارتفاع مناسب على الدواليب الخشبية التي تقوم بتحريك حجر الرحى فوق حجر ثابت حيث تطحن حبات القمح البلدي الصلب بين الحجرين، وكنا نذهب مع الطحنة على الدواب في يوم مليء بالنشاط والحس بكل تفاصيل ذلك مع المتعة و الحب ، حب الطاحونة و البراك (الشخص القيم على المطحنة) وحتى حب للدابة التي تحمل الطحنة ( وهي كيس او العدل من غزل الصوف التي يوضع فيها القمح الذي سيتحول الى طحين) كانت رحلة عالقة بالذاكرة والتي مررنا بها قبل اكثر من خمسين سنة وكان ذلك في مطلع الستينات وقد مرت و انقضت هذه السنين سريعا ، حتى ان العرب تقول في ذلك مقالة ( يومك يا طحان يوم ) وذلك كناية عن طول ذلك اليوم ، وهنا اتذكر ان القمح الصلب كان يزرع في مزارعنا الخاصة الذي يخزن في مخازننا الخاصة ايضا ، و نقوم بحسب الحاجة باستخراج الكمية المراد استهلاكها لاسبوع او شهر على سبيل المثال ، كنا نحسب كمية المونة السنوية ونخزنها بظروف تخزين مناسبة تعلمناها بالتجربة ، وما زاد نقوم ببيعه في سوق الحبوب في العاصمة عمان ، وهذا قادني لاستعرض يوم المطحنة و القمح و الطحين و انواعه و النخاله و الزمن الجميل ، اما المطاحن المائية مع مطلع الستينات توقفت عن العمل بعد سحب مياه عين الخيل ثم بعد ذلك تم انشاء ما يعرف ببوابير الطحين التي تعمل على محرك حديث يشتغل على الديزل وكان عددها اربعة بوابير موزعة على قرى ومحلات وادي السير ، وهذا يؤشر على انه وحتى بداية الثمانينيات كانت مناطق و ادي السير تعتمد في استهلاك الطحين على القمح البلدي الذي يزرع في اراضيها ويطحن في مطاحنها ( ياصقا الله هذيك الايام).

القمح الموجود في الاردن 97% منه مستورد ويتم تخزينه بالصوامع وتملك المملكة مخزون من القمح يغطي استهلاك المملكة لمدة تصل إلى 10 أشهر ، ويوزع القمح من الصوامع على المطاحن الحكومية والخاصة ، وتقوم المطاحن باستخراج النخالة (القشرة) والجنين من حبة القمح وتبقي الجزء الذي يحتوي معظمه على النشا ( السويداء)، ومن المعلوم ان معظم الفوائد الغذائية موجودة بالنخالة والجنين، و بالمناسبة هذا اسمه طحين أبيض.

ويتم توزيع الطحين على المخابز و إضافة نخالة القمح المستورد للقمح الأبيض المستورد وهنا يصبح اسمه خبز بلدي ، وهو ليس بخبز قمح بلدي ، بل هو عبارة عن طحين أبيض مستورد عليه نخالة و اكبر المطاحن الموجودة لا تتعامل مع القمح البلدي الكامل و لكنها تعتمد على المستورد والتي تحصل عليه من صوامع الحبوب العائدة للدولة و تقوم بطحنه ، كما ان الخبز الأسمر الموجود في السوق هناك كميات منه عبارة عن طحين أبيض مستورد مضاف اليه مسمرات ( شعير وحبوب محروقة شكلها مثل بن القهوة ) ونخالة عشان يعطي اللون الأسمر ، مما يتوهم عليه الناس على انة قمح كامل لأن لونه أسمر ولكن بالحقيقة لا يختلف عن الخبز الأبيض وبالتالي خبز القمح البلدي الكامل لونه مثل العجينة على صفار و ليس أسمر، الخبز الأبيض يتم إضافة السكر له من اجل ان يعطي اللون الأشقر بعد خبزه .

والقمح في الاردن والمنطقة يعتبر من الصنف القاسي ولونه أصفر، ونسبة البروتين فيه حوالي ١٣% والمستورد ١١% ، وعندما يكون البروتين عالي في القمح تكون مادة الجلوتين ايضاً عالية ، وهذا من المفروض يكون جيداً للخبز الفرنجي ، الجواب لا لأن نوع البروتين بالقمح البلدي عالي ، ولكن نوعه مرن وغير مقاوم ، يعني ما بمط ( أي ليس فيه حيل ) ، والطحين المستورد من الصنف الطري نوع البروتين او الجلوتين فيه بمط وغير مرن ، وهذا النوع مرغوب لأنه بيحبس الهواء وبينفخ العجين ويستخدم لخبز الحمام والافرنجي، قمحنا ما بخزن الهواء ولهذا السبب بتلاحظوا انه معظم خبزنا مسطح مافي اشي نافخ ، وهاي طبيعة البروتين / الجلوتين الموجودة فيه حيله ضعيف ، والقمح الصلب أغلى من القمح الطري لأن نسبة البروتين فيه أعلى ، أصل القمح من ١٠ آلاف سنة كان من النوع القاسي والطري تطور فيما بعد من القمح القاسي.

يتم طحن القمح في مطاحن منتشرة في مختلف أنحاء المملكة ، توجد مطاحن حكومية، مثل مطحنة الجويدة ، بالإضافة إلى مطاحن القطاع الخاص ، و يبلغ معدل استهلاك الأردن من القمح حوالي 90ألف طن شهريًا، ويستهلك الاردن نحو 52 ألف طن من الطحين الموحد المخصص لإنتاج الخبز شهريًا ، ويختلف سعر طن دقيق القمح الموحد المنتج من قبل مطاحن القطاع الخاص ومطحنة الجويدة شهريًا ، بناءً على مراجعة وزارة الصناعة والتجارة والتموين لتكاليف الإنتاج وأسعار المحروقات ، على سبيل المثال ، في شهر شباط 2025، تم تخفيض سعر بيع طن دقيق القمح الموحد بمقدار 5.398 دينار، ليصل إلى 167.345 دينارًا للطن الواحد ، ومنذ عام 2018 ثبتت الحكومة أسعار الخبز، حيث يباع 'الكماج الكبير' بـ 32 قرشًا، و'الكماج الصغير' بـ 40 قرشًا، بينما تباع أنواع خبز الطابون والمشروح والوردة والمنقوش بـ 35 قرشًا.

من انواع الطحين المتوفرة في الأردن:
1-الطحين متعدد الاستعمالات: يُصنع من القمح الأحمر الصلب أو مزيج من القمح الصلب واللين بنسبة استخراج 78٪. يُستخدم في تحضير مجموعة متنوعة من المخبوزات.
2-الطحين الأسمر: يحتوي على نسبة أعلى من الألياف والبروتين والجلوتين، مما يجعله مناسبًا للرياضيين ومرضى السكر .
3- . طحين خالٍ من الجلوتين: متوفر في الأسواق الأردنية للأشخاص الذين يعانون من حساسية الجلوتين.

أما عن أنواع الخبز المتوفرة في الأردن
1- الخبز العربي (الكماج) يتوفر بنوعين: الكماج الكبير يباع بسعر 320 فلسًا للكيلوغرام الواحد ، الكماج الصغير: يُباع بسعر 400 فلس للكيلوغرام الواحد.
2- خبز النخالة: يُصنع من الطحين الأسمر ويُعتبر خيارًا صحيًا لاحتوائه على نسبة عالية من الألياف.
3- .خبز الطابون، المشروح، الوردة، والمنقوش: تُباع هذه الأنواع بسعر 350 فلسًا للكيلوغرام الواحد.

ومن الملاحظ ازدياد استهلاك الخبز بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان في الأردن ومعظم الدول العربية ، و تشير تقارير وزارة الصناعة والتجارة في الأردن إلى أن استهلاك الطحين يرتفع بنحو 20-30٪ خلال شهر رمضان مقارنة بالأشهر العادية، وتشهد بعض المخابز زيادة تصل إلى 50٪ في الطلب على الخبز خلال الأيام الأولى من رمضان، حيث يقوم الناس بتخزينه بكميات كبيرة، ويعود ذلك لعدد من الاسباب:

1- كثرة الولائم والتجمعات العائلية : تتزايد موائد الإفطار والسحور، مما يرفع الطلب على الخبز والطحين.
2- زيادة استهلاك المعجنات والحلويات: مثل القطايف والفطائر، التي تعتمد على الطحين .
3- وجبة السحور: كثيرون يفضلون تناول الخبز مع الألبان والأجبان ليشعروا بالشبع فترة أطول.
4- زيادة الإنتاج في المخابز : تحرص المخابز على رفع طاقتها الإنتاجية لتلبية الطلب .

واننا نتطلع الى العودة المدروسة الى زراعة القمح البلدي الاردني غير المهجن كما يعرف (بالهيتيه الرفيعة و الهيتية المقطما والهتية الحمرا القريحه و الصفرا و المعانيه .....الخ|) و الشعير بانواعه ، ونتطلع الى استهلاك طحين بلدي نظيف خالي من الاضافات سواء كانت اضافات ملونة او منكهة ، واننا فقدنا طعم زادنا وخبزنا وملحنا بعد ان طوانا التهجين وتغيير سلالات قمحنا بالقمح المهجن ، بحجة التطوير الزراعي، وانني اتسأل عن دور مركز البحوث الزراعية في الاردن من كل مايجري ، وهل لدى المركز الوطني للبحوث الزراعية اي خطه و طنيه لتطوير زراعة انواع القمح الاردني او وضع تصور لمثل هذه الامور وعرضها على الحكومه مثلا ، وهل لازم جلالة الملك يدخل في كل موضوع ، و المسؤل الذي شغله الشاغل السفر ات و المياومات وتمضية الوقت دون اي نوع من الانجاز او المبادرات ، و اعتقد ان هذا العهد انطوت صفحته ، ولم يعد الوطن يتحمل مثل هذة الاعباء.

حمى الله الاردن وسدد على طريق المجد خطا جلالة الملك عبدالله الثاني.

* د. النائب السابق بركات النمر العبادي.

جميع الحقوق محفوظة
https://www.ammonnews.net/article/909925