حين قرأت بعض البيانات والتعليقات على هامش الاستطلاع الذي نشرته الجامعة الاردنية مؤخرا، تفاجأت بمسألتين: الاولى حدة الانتقادات التي انصبت على ما ذكره الطلبة حول انحرافهم لتعاطي المخدرات او تناول الخمور او العقارات الطبية المنشطة، ومع ان نسبة هؤلاء الطلبة تتراوح بين 3-5% من عينة بلغت (37) الف طالب وطالبة، وهي نسبة تبدو مفهومة في سياق التحولات التي اصابت مجتمعنا وغيره من المجتمعات، الا ان اخواننا الغاضبن تصوروا ان مجتمعنا مثل مجتمع الملائكة، لا يوجد فيه اشرار ولا مخطئون، وهو بالتالي من وجهة نظرهم يفترض ان يكون افضل من مجتمع “ الصحابة” الكرام في بداية الدولة الاسلامية، مع ان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم - كان فيه من يرتكبون اشنع مما ارتكبه هؤلاء الطلبة، وما اقصده هنا ان الذين صبوا جام غضبهم على ابنائنا الذين ضلوا طريق الصواب، يريدون ان يركبوا هذه النسب المئوية، وتلك الاخطاء، لكي يقولوا لنا: ان مشكلة مجتمعنا هنا فقط، في هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الخمر والعقاقير والمخدرات، وان مسؤوليتهم تقع على عاتق الحكومات، وان البديل هو نحن الذين يمكن ان “ نربيهم” على الصراط المستقيم، ارايتم كيف يمكن ان يتعامل البعض مع قضايانا ومشكلاتنا “بميزان” على مقاسه، وان ينظر الينا بعيونه ويختزلها في زاوية واحدة فقط.
اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق، ولا حتى الانتقاد، وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا، لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم....الخ، وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط: الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي: 12% منهم لهم توجهات قومية عربية، و 11% منهم توجهاتهم اسلامية، فيما افاد 7% منهم فقط انهم “ وطنيون “ اردنيون، لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا “ ماتت “ او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها، كما يعني ان “ الفكر “ في بلادنا اصبح “ مجدبا” ومتصحرا، ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم، لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات، اقلها نسبة “ الاتجاه “ الوطني الاردني، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا، ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون “ بالانتماء” لبلدهم، بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة: انه اردني، الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك، ولماذا صبحت “ الهوية “ الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم، ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم، فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز “ بهويتها “ الوطنية، وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة، ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور، لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه “ بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه.
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم، وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك، اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم، وهي نسبة ليست قليلة، اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم، وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع، وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة، اما رابعا، فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا، وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا، لم تجد للاسف من يسمعها، فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على “العقاقير” الطبية المنشطة. تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر “ مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا “ انتماءهم “ لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب.
الدستور
حين قرأت بعض البيانات والتعليقات على هامش الاستطلاع الذي نشرته الجامعة الاردنية مؤخرا، تفاجأت بمسألتين: الاولى حدة الانتقادات التي انصبت على ما ذكره الطلبة حول انحرافهم لتعاطي المخدرات او تناول الخمور او العقارات الطبية المنشطة، ومع ان نسبة هؤلاء الطلبة تتراوح بين 3-5% من عينة بلغت (37) الف طالب وطالبة، وهي نسبة تبدو مفهومة في سياق التحولات التي اصابت مجتمعنا وغيره من المجتمعات، الا ان اخواننا الغاضبن تصوروا ان مجتمعنا مثل مجتمع الملائكة، لا يوجد فيه اشرار ولا مخطئون، وهو بالتالي من وجهة نظرهم يفترض ان يكون افضل من مجتمع “ الصحابة” الكرام في بداية الدولة الاسلامية، مع ان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم - كان فيه من يرتكبون اشنع مما ارتكبه هؤلاء الطلبة، وما اقصده هنا ان الذين صبوا جام غضبهم على ابنائنا الذين ضلوا طريق الصواب، يريدون ان يركبوا هذه النسب المئوية، وتلك الاخطاء، لكي يقولوا لنا: ان مشكلة مجتمعنا هنا فقط، في هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الخمر والعقاقير والمخدرات، وان مسؤوليتهم تقع على عاتق الحكومات، وان البديل هو نحن الذين يمكن ان “ نربيهم” على الصراط المستقيم، ارايتم كيف يمكن ان يتعامل البعض مع قضايانا ومشكلاتنا “بميزان” على مقاسه، وان ينظر الينا بعيونه ويختزلها في زاوية واحدة فقط.
اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق، ولا حتى الانتقاد، وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا، لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم....الخ، وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط: الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي: 12% منهم لهم توجهات قومية عربية، و 11% منهم توجهاتهم اسلامية، فيما افاد 7% منهم فقط انهم “ وطنيون “ اردنيون، لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا “ ماتت “ او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها، كما يعني ان “ الفكر “ في بلادنا اصبح “ مجدبا” ومتصحرا، ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم، لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات، اقلها نسبة “ الاتجاه “ الوطني الاردني، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا، ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون “ بالانتماء” لبلدهم، بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة: انه اردني، الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك، ولماذا صبحت “ الهوية “ الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم، ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم، فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز “ بهويتها “ الوطنية، وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة، ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور، لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه “ بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه.
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم، وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك، اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم، وهي نسبة ليست قليلة، اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم، وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع، وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة، اما رابعا، فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا، وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا، لم تجد للاسف من يسمعها، فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على “العقاقير” الطبية المنشطة. تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر “ مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا “ انتماءهم “ لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب.
الدستور
حين قرأت بعض البيانات والتعليقات على هامش الاستطلاع الذي نشرته الجامعة الاردنية مؤخرا، تفاجأت بمسألتين: الاولى حدة الانتقادات التي انصبت على ما ذكره الطلبة حول انحرافهم لتعاطي المخدرات او تناول الخمور او العقارات الطبية المنشطة، ومع ان نسبة هؤلاء الطلبة تتراوح بين 3-5% من عينة بلغت (37) الف طالب وطالبة، وهي نسبة تبدو مفهومة في سياق التحولات التي اصابت مجتمعنا وغيره من المجتمعات، الا ان اخواننا الغاضبن تصوروا ان مجتمعنا مثل مجتمع الملائكة، لا يوجد فيه اشرار ولا مخطئون، وهو بالتالي من وجهة نظرهم يفترض ان يكون افضل من مجتمع “ الصحابة” الكرام في بداية الدولة الاسلامية، مع ان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم - كان فيه من يرتكبون اشنع مما ارتكبه هؤلاء الطلبة، وما اقصده هنا ان الذين صبوا جام غضبهم على ابنائنا الذين ضلوا طريق الصواب، يريدون ان يركبوا هذه النسب المئوية، وتلك الاخطاء، لكي يقولوا لنا: ان مشكلة مجتمعنا هنا فقط، في هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الخمر والعقاقير والمخدرات، وان مسؤوليتهم تقع على عاتق الحكومات، وان البديل هو نحن الذين يمكن ان “ نربيهم” على الصراط المستقيم، ارايتم كيف يمكن ان يتعامل البعض مع قضايانا ومشكلاتنا “بميزان” على مقاسه، وان ينظر الينا بعيونه ويختزلها في زاوية واحدة فقط.
اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق، ولا حتى الانتقاد، وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا، لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم....الخ، وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط: الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي: 12% منهم لهم توجهات قومية عربية، و 11% منهم توجهاتهم اسلامية، فيما افاد 7% منهم فقط انهم “ وطنيون “ اردنيون، لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا “ ماتت “ او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها، كما يعني ان “ الفكر “ في بلادنا اصبح “ مجدبا” ومتصحرا، ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم، لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات، اقلها نسبة “ الاتجاه “ الوطني الاردني، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا، ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون “ بالانتماء” لبلدهم، بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة: انه اردني، الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك، ولماذا صبحت “ الهوية “ الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم، ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم، فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز “ بهويتها “ الوطنية، وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة، ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور، لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه “ بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه.
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم، وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك، اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم، وهي نسبة ليست قليلة، اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم، وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع، وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة، اما رابعا، فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا، وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا، لم تجد للاسف من يسمعها، فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على “العقاقير” الطبية المنشطة. تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر “ مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا “ انتماءهم “ لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب.
الدستور
التعليقات
لماذا يخجلون من الانتماء للأردن .. ؟!
طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور
اظهار التعليقات
لماذا يخجلون من الانتماء للأردن .. ؟!
حين قرأت بعض البيانات والتعليقات على هامش الاستطلاع الذي نشرته الجامعة الاردنية مؤخرا، تفاجأت بمسألتين: الاولى حدة الانتقادات التي انصبت على ما ذكره الطلبة حول انحرافهم لتعاطي المخدرات او تناول الخمور او العقارات الطبية المنشطة، ومع ان نسبة هؤلاء الطلبة تتراوح بين 3-5% من عينة بلغت (37) الف طالب وطالبة، وهي نسبة تبدو مفهومة في سياق التحولات التي اصابت مجتمعنا وغيره من المجتمعات، الا ان اخواننا الغاضبن تصوروا ان مجتمعنا مثل مجتمع الملائكة، لا يوجد فيه اشرار ولا مخطئون، وهو بالتالي من وجهة نظرهم يفترض ان يكون افضل من مجتمع “ الصحابة” الكرام في بداية الدولة الاسلامية، مع ان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم - كان فيه من يرتكبون اشنع مما ارتكبه هؤلاء الطلبة، وما اقصده هنا ان الذين صبوا جام غضبهم على ابنائنا الذين ضلوا طريق الصواب، يريدون ان يركبوا هذه النسب المئوية، وتلك الاخطاء، لكي يقولوا لنا: ان مشكلة مجتمعنا هنا فقط، في هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الخمر والعقاقير والمخدرات، وان مسؤوليتهم تقع على عاتق الحكومات، وان البديل هو نحن الذين يمكن ان “ نربيهم” على الصراط المستقيم، ارايتم كيف يمكن ان يتعامل البعض مع قضايانا ومشكلاتنا “بميزان” على مقاسه، وان ينظر الينا بعيونه ويختزلها في زاوية واحدة فقط.
اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق، ولا حتى الانتقاد، وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا، لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم....الخ، وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط: الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي: 12% منهم لهم توجهات قومية عربية، و 11% منهم توجهاتهم اسلامية، فيما افاد 7% منهم فقط انهم “ وطنيون “ اردنيون، لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا “ ماتت “ او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها، كما يعني ان “ الفكر “ في بلادنا اصبح “ مجدبا” ومتصحرا، ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم، لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات، اقلها نسبة “ الاتجاه “ الوطني الاردني، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا، ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون “ بالانتماء” لبلدهم، بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه، وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة: انه اردني، الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك، ولماذا صبحت “ الهوية “ الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم، ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم، فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز “ بهويتها “ الوطنية، وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة، ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور، لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه “ بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه.
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم، وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك، اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم، وهي نسبة ليست قليلة، اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم، وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع، وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة، اما رابعا، فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا، وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا، لم تجد للاسف من يسمعها، فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على “العقاقير” الطبية المنشطة. تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر “ مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا “ انتماءهم “ لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب.
الدستور
التعليقات