طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات


"معارك معاذ" في الظل


بالتوازي والتزامن مع سعي 'خلية الأزمة' إلى استعادة الطيار الأردني معاذ الكساسبة، عبر قناة المفاوضات الخلفية السرية غير المباشرة مع تنظيم 'داعش'، كانت الأجهزة المختلفة تخوض معارك أخرى في الظل في قضية معاذ، على أكثر من صعيد! ربما فاجأ هذا التنظيم الرأي العام بالوجه الآخر له (الذي لا يدركه كثيرون) في قصة معاذ، وكشف عن قدر كبير من الخبث السياسي والإعلامي؛ بقدرته الملحوظة على خوض الحروب النفسية، والتذاكي في مواجهة الدولة، ومحاولة إحراجها سياسياً وإعلامياً على الصعيد الدبلوماسي والشعبي. حاول 'داعش' أن يتلاعب بالرأي العام وبالسياسيين الأردنيين، عبر دسّ عروض مسمومة؛ من خلال طرح مبادلة الرهينتين اليابانيين لديه بساجدة الريشاوي، لإخراجها من صفقة معاذ. وقد استثمر في حجم التعاطف الهائل مع معاذ ليتلاعب بأعصاب الشارع والمسؤولين الأردنيين واليابانيين، عبر تحديد أوقات قصيرة للحصول على ما يريد. عامل الوقت الذي وظّفه التنظيم في طرح 'الصفقة'، بمثابة لعبة حسّاسة وضاغطة، لأنّها تعتمد على ضرورة امتلاك أعصاب حديدية هادئة لدى الطرف الآخر، وقدرة على تحديد الخيارات والقرارات المطلوبة، و'تحييد' الضغوط الشديدة في الداخل والخارج. وهو ما نجحت به 'خلية الأزمة' إلى الآن بامتياز، وفاجأت التنظيم نفسه والرأي العام الأردني والجميع، بقدرتها على إعادة إلقاء الكرات الملغومة إلى ملعب 'داعش'، سواء بإعادة صوغ طبيعة الصفقة، أو التحكم بأوراق الضغط واستخدامها، أو التعامل مع عامل الوقت، أو التعاطي مع الحرب النفسية بالطريقة نفسها. من المهم أن نسجّل هنا لخلية الأزمة ولمؤسسات القرار الإعجاب والتقدير. ونقر بأنّها حصلت على درجة امتياز إلى الآن في إدارة هذه المعارك؛ فوازنت بين عاملين رئيسين بذكاء شديد وبميزان من ذهب: الأول، هو الحرص على عودة معاذ وسلامته. والثاني، حماية الدولة وسمعتها وكرامتها، وعدم القبول باختطافها إلى جانب معاذ. وإذا كان هناك جانب من التقصير أو غياب التوازن، فقد تمثّل في دور الحكومة وواجبها السياسي والإعلامي المفترض أن يوازي ويتزاوج ويتكامل مع الأدوار الأخرى، وهو ما لم يتم. فهناك فرق بين الحفاظ على السرية المطلوبة، ما يمكن أن يتفهّمه الجميع، وبين تقديم رواية إعلامية وسياسية تملأ الفراغ أمام الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، لمواجهة الرواية الأخرى التي أصبحت تتوافر على خبرة كبيرة في مجال الدعاية والحرب النفسية. لوهلة، ولغياب الخطاب الإعلامي المدروس والمحبوك، واختفاء المسؤولين والسياسيين، بدا وكأنّنا نخسر معركة الرأي العام فعلاً. إلاّ أنّ إمساك خلية الأزمة بزمام المبادرة، وقدرتها على التعامل مع الأزمة، أقنع الرأي العام بأنّ هناك عملاً احترافياً ذكياً، غير معلن. وهو ما تضافر مع وعي متقدم لنسبة كبيرة من المواطنين والناشطين الاجتماعيين، وحالة إجماع وطني على سلامة معاذ، ما خفف من حجم وتأثير تلك الحرب النفسية من قبل 'داعش' على الرأي العام الأردني. ربما الطرف الأكثر نشاطاً وراء الستار، كان وزير الإعلام د. محمد المومني، الذي لعب دوراً مهماً وحيوياً في التواصل مع وسائل الإعلام والكُتّاب. لكن ذلك لا يكفي؛ فالمطلوب أن يكون هناك اهتمام أكبر من مراكز القرار بصوغ الرسالة الإعلامية، وبالقنوات الاتصالية مع الرأي العام. فهذا الشطر من الحرب أخطر من الجوانب الأخرى. لكن نقطة ضعفنا دائماً في أغلب المعارك السياسية والمحطات التاريخية، تتمثل في الرواية الإعلامية والرسالة الاتصالية! أيّاً كانت مفاجآت 'داعش' القادمة، فإن معارك الظل ما تزال مستمرة. والنتيجة المهمة التي أصبحت النسبة الكبيرة من المواطنين مقتنعة بها، هي أنّ مراكز القرار لم تتخلّ عن معاذ ولم تخذل الأردنيين، بالرغم من التعقيدات والضغوط الشديدة المتلبسة بهذا الموضوع. (الغد)

جميع الحقوق محفوظة
https://www.ammonnews.net/article/219588