طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات


أحمد سلامة يبكي غربة صلاح أبو زيد ماذا عن غربته هو؟


لصلاح أبو زيد، وأحمد سلامة، نكهة مكر مغايرة، والمكر ليس مثلبة، أو نقيصة، فالمكر طيب وسيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والله، تعالى، خير الماكرين، ولطالما أحجمت المرة بعد الأخرى، من الدخول في سجال كلامي مع أحمد سلامة، ذلك أنه يتميز بلسان ذرب وخبير ومراوغ ومناور، يجعل محاوريه دائما في رهق وعنت لغاية مجاراته، ولكنني لم أوفر فرصة إلا وحاولت أن أشاغبه، وأماكره، كتابة، حيث أن بنيتي المنطقية بريئة من نوازع العاطفة التي تأسر سلامة، وفي هذه المنطقة يمكنني أن أستمر في مجادلته والاقتصاص من جميع المسكوت عنه، من قبلي، في حوارتنا الطويلة، ولذلك كتبت عن أحمد سلامة المرة بعد الأخرى، وتتبعته في مقالاته القليلة في السنوات الأخيرة، وحاولت أن أجرب نفسي في حلة المكر بكل اتساعها علي. تتقاطر القصص على لسان أحمد سلامة، وتتكشف الأسرار، وفي علاقة من الصداقة تصل اليوم إلى أحد عشر عاما، لم أسمعه يكرر قصة واحدة، وفي مقاله الأخير عن الراحل محمد السقاف كثير من القصص، والتي اعتدت أن أضيفها بصورة آلية إلى أرشيفي الشخصي، وأن أجعلها تختمر كفاية لربما اضطررت أن أستعيدها أو أعيد إنتاجها، تحريا للدقة، وبين تتبعي للقصص التي كانت تدور حول شخصية السقاف، ثمة سطران أثارا لدي كثيرا من الشجن، حول الشخصية التي تحدث عنها سلامة، وهي الوزير السابق، صلاح أبو زيد، وحول سلامة نفسه. أبو زيد، وكذلك سأقوم بذكر اسمه فيما يرد من المقال الحالي، وبغض النظر عما إذا كانت القواعد اللغوية تقتضي مني أن أذكرها أبا زيد، أو أبي زيد، فكما اعتدنا، هو صلاح أبو زيد، وهو أيضا شخصية عصية على التصنيف، ولا أعتقد أنني أستطيع، كما أنني لست معنيا، أن أحكم على شخصيته ودوره، لا على المستوى السياسي، ولا المستوى العملي، فالرجل، الذي يشبه النسر الأمريكي بعينيه الضاريتين حزنا، والذي لا يمكن أن تعرف له انطباعا محددا، أو أن تطمئن لتقديرك حول حالته النفسية، كان يشغل الدنيا والناس في الوقت الذي لم أكن قد حضرت إلى مسرح الحياة، وبينما كنت أعتقد جازما بأنني أستحق مكافأة عائلية مرموقة لأنني حفظت جدول الضرب، فإن كثيرا من الرجال، وبعضهم أصبح من الأعلام والمقدمين رسميا واجتماعيا، كان يتمنى من أبو زيد التفاتة، ولا يجد أدنى غضاضة في تملقه وعلى الأقل الإفراط في مجاملته ومديحه، وبينما حصلت على فرصتين للالتقاء بأبو زيد، فإنني خرجت صفر اليدين من أي موقف عاطفي تجاهه، واكتفيت بأن أمنحه احتراما غير مشروط، وربما كثير منه قائم على انعدام المعرفة رغم محاولات التقصي والتحري، فهو يشبه رجال الحلقة الضيقة في أي نظام ينبني على معادلة صعبة من الهيبة والسطوة. صلاح أبو زيد عقلية معقدة، تجري حسابات كثيرة بينما يعتقد من حوله أنه في حالة تأمل أو شرود، يمتلك ذاكرة أكثر من ممتازة، وصوتا عميقا يمكنه أن يدفع أكثر من نصف مذيعي العالم العربي إلى التقاعد المبكر، وذلك الصوت تحديدا أطلق الإذاعة الأردنية إلى الأثير للمرة الأولى، وبقي لسنوات ينافح عن الأردن في مواجهة بروبغاندا صوت العرب وتعديات سعيد اللفظية والمنطقية والإنسانية، وبعد ذلك تولى أبو زيد العديد من المناصب الحساسة والمهمة، وإن يكن كثيرون اليوم، من جيل الفضاء الإلكتروني لا يعرف الرجل، ولا يدرك مكانته، فإن الأجيال السابقة ومنها أحمد سلامة لا يمكن أن تتجاوز وهي في صدد تعداد رجالات الأردن، وأولئك الذين كانوا في صلب الدائرة الضيقة في عش النسر. يمكن أن أبو زيد يحظى بامتيازات استثنائية كبيرة في دولة الإمارات، ويمكن أنه وجد في أبوظبي مكانا مناسبا لتأمله، أو لعزلته، ولكن أحدا لا يمكنه أن يعتقد بأن أبو زيد بعيد عن عمان بالمعنى العاطفي والإنساني، فذلك هو العشق، تلك الخدعة الكبرى والجميلة التي ثبتت أقدام كفافيس في تراب الإسكندرية وجعلت العالم يبدو خرابا واسعا أمامه. سلامة يذكرني في تذكره للرجل، بقصيدة الحمداني وهو يناجي حمامة جوارته في محبسه، ولا أعتقد أنه في مكان يشابه الحبس في أي شيء، وإنما في بلد عربي جميل وأبي، يعشقه سلامة، ويحب ترابه وأهله، ولكنه ذلك التوقير الذي يختلف كلية عن عشق الصبا الطائش الذي يبقى عميقا في القلب والذاكرة، المهم، يقول الحمداني في بعض من قصيدته: لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلةً .. وَلَكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَالِ لا أعرف هل انتبه سلامة لذلك، وهو يدقق في مقالته، ويبدو أنه لم يدقق مليا، وتركها عاطفية وساخنة، كما بادرته لوهلتها الأولى، لا أعرف إن كان انتبه للمفارقة التي وضعها في ذكره لحالة صلاح أبو زيد، أو أغفلها، وكانت مجرد ضرب من التداعي النفسي، ولكن مهما يكن من الأمر، فإنني أقول بأن جمعا من الأصدقاء متفرقون لا يجمعهم سوى وجودك في عمان، يكادون يشتركون معي في ملاحظتك عن أبي زيد وغيره، وأنا كنت ممثلهم في كتابة هذه المقالة، ومجرد ناقل غير أمين لمشاعرهم التي أثرتها لديهم، وهم يتذكرون بأنك الآخر في تأملك الخاص صقرا ماكرا يتحين مستقرا أمينا بعد أن أتعبه التحليق والسفر.

جميع الحقوق محفوظة
https://www.ammonnews.net/article/167231