طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات


الآثار القانونية لبطلان انتخابات فقوع


* يتمتع الحكم ببطلان الانتخاب في الدائرة السادسة في محافظة الكرك باعتباره متعلقا بمراكز قانونية عامة وليس بمراكز شخصية بحجية عامة مما يتوجب معه باعتقادنا إعادة الانتخاب في تلك الدائرة على المستوى المحلي وعلى مستوى القوائم. كتب الدكتور محمد الخلايلة: لقد اجتاز القضاء الأردني الامتحان الصعب عندما سجل سابقة تاريخية ليس بإبطال عضوية أحد النواب بل بإبطال الانتخابات في دائرة انتخابية كاملة وهي الدائرة السادسة في محافظة الكرك لثبوت وجود خلل كبير في عمليات الاقتراع والفرز في تلك الدائرة. إننا نعتقد – كما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق - أن الفصل في الطعون الانتخابية هو الاختبار الأصعب أمام القضاء الأردني أولا لعدم وجود سوابق قضائية في هذا المجال وثانيا لعدم وجود أحكام تشريعية خاصة بهذا النوع من الطعون وثالثا لصعوبة الحكم ببطلان نيابة شخص تم الإعلان عن فوزه وتعامل معه الناس على أنه ممثلا لهم تحت القبة. ولكننا اليوم لا نملك إلا أن نقف احتراما لقضائنا الكريم ونخلع له القبعات لأنه أثبت – رغم صعوبة المهمة – أنه القضاء النزيه المؤتمن على مبدأ المشروعية وسيادة القانون، ومن حقنا أن نتساءل: هل كان سيفعلها مجلس النواب ذاته لو بقي الفصل في الطعون الانتخابية من اختصاصه؟ وإذا كان موقف القضاء الأردني على هذا النحو قد ساهم في تفعيل التعديلات الدستورية على أرض الواقع وحافظ على ما تبقى من هيبة الدولة في ضوء سياسات حكومية متعثرة وممارسات نيابية مخجله في كثير من الأحيان فإن السؤال المطروح في الشارع الأردني اليوم يتعلق بالآثار القانونية المترتبة على الحكم ببطلان الانتخاب في الدائرة السادسة في محافظة الكرك وهل معنى هذا الحكم بطلان عضوية النائب نايف الليمون لوحده أم يشمل الفائزة عن الكوتا النسائية السيدة حمدية القويدر، وهل يمكن أن ينسحب على القوائم الوطنية التي حصدت أكثر من 1300 صوت من تلك الدائرة بما يستتبع ذلك من احتمالية تغيير نتائج هذه القوائم وربما العودة من جديد إلى الجزء الثاني من مسلسل 'عبلة وقشوع'. إننا ندرك تماما حساسية هذا الأمر وما الذي سيترتب على القول بأن للحكم حجية مطلقة وندرك كم سيزيد ذلك من الأعباء والإشكاليات التي تمر بها مؤسسات الدولة هذه الأيام، ولكن الأمانة العلمية تقتضي منا أن نبدي رأينا المتواضع في هذا السياق بعيدا عن كل تلك الاعتبارات وبعيدا عن مسألة الصعوبة في تنفيذ هذا الحكم ونقول بأن حكم المحكمة له حجية عامة وليست حجية نسبية قاصرة على أطراف الدعوى وبأنه يتوحب باعتقادنا إعادة الانتخاب بالكامل في الدائرة الانتخابية السادسة في محافظة الكرك على المستوى المحلي وعلى مستوى القوائم الوطنية وذلك للأسباب التالية: أولا: يجب أن نفرق بين المراكز القانونية الشخصية التي تتكون نتيجة علاقات الأشخاص ببعضهم البعض (كأن يستدين شخص من آخر مبلغا من المال فيكون الأول مدينا ويكون الثاني دائنا) والمراكز القانونية الموضوعية العامة التي تستمد مباشرة من القوانين والأنظمة (كمركز النائب في البرلمان الذي يكتسبه الشخص استنادا إلى الدستور وقانون الانتخاب ويتحقق من خلال عملية الانتخاب). فإذا كنا أمام مركز قانوني عام فإن المنازعة بشأنه ليست منازعه شخصية حتى يقال بأن للحكم الصادر بشأنها حجية نسبية تتعلق بطرفي الدعوى فقط ولكنها منازعة موضوعية عامة تدخل فيها القضاء ليس بهدف حل نزاع شخصي وإنما بهدف التحقق من أن هذا المركز القانوني قد تكون بطريقة قانونية سليمة (هل توافرت في النائب المطعون بنيابته شروط الترشح؟ هل إجراءات الاقتراع والفرز كانت سليمة؟...الخ). فالدعوى التي كانت منظورة أمام محكمة الاستئناف لم تكن في حقيقة الأمر موجهة إلى السيد نايف الليمون بشخصه وإنما كانت تتعلق بمدى صحة المركز القانوني العام الذي تحقق له كنائب في البرلمان نتيجة عملية انتخابية تبين للمحكمة أنها كانت مخالفة للقانون. وكأثر مباشر لهذه الخاصية للطعون الانتخابية – أي كونها طعونا موضوعية تتعلق بمراكز قانونية عامة – فإن الأحكام التي تصدر بشأنها تتمتع بحجية مطلقة في مواجهة الكافة حتى لو لم يكونوا أطرافا في الدعوى. والدليل على ذلك أن القضاء يملك هنا أن يتجاوز ما يطلبه الطاعن وهو إبطال عضوية شخص معين إلى الحكم ببطلان الانتخابات في الدائرة الانتخابية بكاملها، وهو ما حصل في الدعوى التي نتحدث عنها حيث أبطلت محكمة الاستئناف العملية الانتخابية برمتها في لواء فقوع. ثانيا: لقد كان الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف يتعلق - كما قلنا - ببطلان العملية الانتخابية بالكامل في لواء فقوع وليس ببطلان صحة نيابة السيد نايف الليمون مما يعني بالنتيجة عدم صحة جميع الأصوات المسجلة في تلك الدائرة وفي مختلف الاتجاهات (على مستوى الدائرة المحلية وعلى مستوى الكوتا وعلى مستوى القوائم الوطنية) ولا يعقل أن نقول ببطلان الأصوات التي ذهبت للسيد الليمون وبصحة الأصوات التي ذهبت للآخرين. وبمعنى آخر فإن المحكمة عندما أبطلت الانتخاب في الدائرة الانتخابية بكاملها كان ذلك لوجود خلل عام وليس لخطأ في حسبة عدد الأصوات التي ذهبت لطرفي الدعوى اللصاصمة والليمون، حيث تبين لها – كما جاء في قرار المحكمة – بأن هنالك من مارس حق الاقتراع دون بطاقة انتخابية وهنالك بطاقات انتخابية لأشخاص غير مسجلين وهنالك أوراق اقتراع لا تحمل ختم الدائرة أو توقيع رئيس لجنة الاقتراع وهنالك إخلال بمبدأ سرية الاقتراع وهنالك ضعف واضح للسيطرة الأمنية إثناء الاقتراع والفرز...الخ. ثالثا: تتمتع الأحكام القضائية المتعلقة بالطعون الانتخابية في الأنظمة القانونية المقارنة التي سبقتنا في إطار الرقابة القضائية على نتائج الانتخابات البرلمانية – كما هو الحال بالنسبة لأحكام المحكمة الدستورية في الكويت – بحجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعوى وإنما ينصرف إلى الكافة. ولا يقبل القول بأن هذا الاختصاص تمارسه هناك المحكمة الدستورية ذات الأحكام مطلقة الحجية وتمارسه هنا محكمة الاستئناف ذات الأحكام نسبية الحجية، حيث تبقى الدعوى هنا وهناك متعلقة بمراكز قانونية عامة ويبقى للحكم الصادر فيها حجية مطلقة بغض النظر عن المحكمة التي تمارس هذا الاختصاص، فالعبرة بالدعوى وليس بالمحكمة بدليل أن المحاكم العادية في الدول الانجلوسكسونية وفي مقدمتها بريطانيا تنظر في كل المنازعات سواء أكانت من منازعات القانون الخاص أو من منازعات القانون العام ولكن ذلك لا يغير من طبيعة دعاوى القانون العام وحجية الأحكام التي تصدر بشأنها. وعليه وبالنتيجة فإننا نعتقد بأن الحكم الذي صدر عن محكمة الاستئناف الموقرة بخصوص بطلان الانتخاب في الدائرة السادسة في محافظة الكرك له حجية عامة وبأنه يتوجب إعادة الانتخاب في تلك الدائرة على المستوى المحلي وعلى مستوى القوائم، وأن يتم – مؤقتا - خصم الأصوات التي حصلت عليها القوائم الوطنية من تلك الدائرة ودون أن يؤثر ذلك على مقاعدها الحالية إلى حين الإعلان عن نتيجة الانتخاب في تلك الدائرة وعندها يتم إعادة النظر من جديد في الأصوات التي حصلت عليها جميع القوائم ويتم كذلك إعادة النظر في أصوات الكوتا النسائية لمحافظة الكرك. المحامي الدكتور محمد الخلايلة أستاذ القانون العام بكلية الحقوق – جامعة مؤتة dkhalayleh@yahoo.com

جميع الحقوق محفوظة
https://www.ammonnews.net/article/147189