خالد محادين .. الكف اذ ينتصر على المخرز
هشام عودة
06-09-2007 03:00 AM
من الصعب ان تجد حدودا فاصلة بين اردنية خالد محادين وعروبته في اي محطة تتطلب موقفا حاسما، فهذا الكركي الذي امتلأت رئتاه بهواء عربي نقي، ظل وفيا لمسيرته، قابضا على جمر مبادئه، رغم كل العثرات التي وجدها في طريقه. كات وصحفي وشاعر، واوصاف كثيرة اخرى يمكن ان تنطبق على خالد محادين الذي يرتدي العباءة ذاتها، منذ ان تفتح وعيه ذات يوم كركي على تظاهرة تهتف لفلسطين والعروبة. في التصنيفات الحزبية لا يمكن التعامل مع ابي سنان الا من خلال انتمائه لأمته، اذ شكلت علامته مع بغداد وعبر العقود الثلاثة الماضية، علاقة فارقة في حياة خالد محادين ومواقفه، تماما مثلما ظلت القدس حاضرة دوما في يوميات ابي سنان. مدير عام وكالة الانباء الاردنية، ومسؤول الاعلام في الديوان الملكي، وظائف رسمية عليا منحت خالد محادين فرصة الاطلالة على مساحات اوسع، وقراءة صفحات اكثر من وقائع كان يعرف جيدا خطوطها العامة، وتوسعت شبكة علاقاته كثيرا في الاتجاهات الاربعة.
وفي التصيفات السياسية لا يمكن التعامل مع خالد محادين الا من وعي المعارضة وموقفها، رغم انه تقلد مواقع رسمية ودخل قاعات مهمة ليس متاحا امام الاخرين الدخول اليها، وظلت مقالته السياسية تنبض بحب العروبة التي ملأت قلبه ووجدانه. كثيرا ما كان خالد محادين يتألم حين تذهب الرقابة غير المبررة، الى حجب مقالته فيذهب الى نشرها في اماكن اخرى في وقت تركض خلفه بعض وسائل الاعلام لنشر الممنوع من كتاباته، مع ان السبب في المنع عادة هو تقاطع ما تحمله المقالة مع ذهنية الرقيب العرفية، في زمن من المفترض ان تكون الديمقراطية مدت بساطها الواسع حول حدود الوطن.
خالد محادين احد ابرز الشعراء والصحفيين في الاردن الذين اشهروا قصائد محبتهم للرئيس صدام حسين، ولم يجد الشاعر حرجا في اعلان مشاعره وموافقه من على المنابر الرسمية، لأنه يعرف جيدا نبض الشارع الاردني واتجاه حركته السياسية فكان طبيعيا ان تتراجع كل الشخصيات الكركية امام خالد محادين لتصطفيه ناطقا باسمها في مهرجان تأبين الرئيس صدام في مدينة الكرك. لا يهادن في القضايا التي تتطلب موقفا، ولا يجامل حين يتعلق الامر باوجاع الامة وهمومها، وتقول الرواية ان خالد محادين قد بكى كثيرا لحظة احتلال بغداد، وبكى اكثر لحظة اغتيال الرئيس صدام حسين. ليس بعثيا ولا ناصريا بالمفهوم الحزبي السياسي الضيق، لكنه عروبي بامتياز، تماما مثلما هو اردني بامتياز ولذلك من الطبيعي ان يلتقي ابو سنان مع رفاقه وزملائه في مجمع النقابات المهنية وفي مقرات الاحزاب وفي المسيرات والتظاهرات اذا تطلب الامر، منحازا الى قناعاته مدافعا عن ضميره الذي ظل متيقظا. كثيرا ما استمع منه اصدقاؤه الى نقده وتعليقاته اللاذعة في مواجهة بعض المسؤولين الذين يتعاملون مع الوطن بما يشبه المزارع الخاصة، او اولئك الذين يديرون سفنهم باتجاه حركة الرياح، رغم معرفته ان معسكر خصومه قادر على الحاق الاذى النفسي بنقائه القومي الناصع البياض. قال كلمته بالصوت العالي وبالفم الملئان وهو يعرف جيدا ان صداها سيصل الى بسطاء الوطن وعشاقه في كل مكان، لذلك ظلت قامة خالد محادين عالية دائما، لانها قامة عامرة بالمحبة ومسنودة بسواعد الفقراء.
رغم اعتلال جسده في الشهور الاخيرة، الا ان روح خالد محادين ظلت متوثبة دائماو وظل قلمه حاضرا لتوثيق موقف لا يستطيع اتخاذه الا الرجال، وتضيف الرواية ان ابا سنان يبتسم بثقة وهو يتابع اخبار هزيمة المشروع السياسي والعسكري الامريكي في العراق، لأن ذلك يعني ان رهانه كان في محله، وان ثقته بانتصار العروبة لن تتزحزح، مؤكدا ان شمس بغداد ستعيد اضاءة ليالينا المعتمة، مثلما فعلت ذلك قبل قرون عديدة.