هي الليلة الاخيرة التي تشاهد فيها اعينهم المتعبة هذه الارض او ما ظهر منها في عتمة الليل، والمرة الاخيرة التي تطأ اقدامهم الشريفة فيها ارض المعشوقة السليبة، وهاي هي آخر النسائم الرطبة تحل ضيفة على صدورهم وآخر تنهيدة تصاحبها دمعة فرح واخرى حزينة وحسرة في القلب لفقد الابوين دون وداع وحرمان من رؤية الاخوة والاخوات على بوابة الحرية، فالعدو من ورائهم والإبعاد امامهم.
يشعر قلمي بالعجز، مع انه يتوجب عليه ان يكتب ويكتب قدر ما سكت على مدى خمسة وعشرين عاما، كان كلامه خجولا كخجل عباس "الرئيس الفلسطيني" الذي اظهر شجاعة فائقة في ابعاد ذاكرة العالم عن الاسرى والشهداء والاراضي الفلسطينية، حين عاهد العدو الازلي على سلام يعرف بالاستسلام. هذا لسان حال قلمي في هذه الليلة التاريخية حقا. نعم تاريخية طال انتظارها سنينا طويلة، ليست نهاية احداث حزينة في فيلم عربي، بل هي واقع اتنفسه اليوم.
يوم الصفقة التي تشمل بضعة مئات كدفعة اولى من الابطال، ابطال منهم ما تربطني به قرابة دم، عماي عبد الناصر وطارق الحليسي. ماذا عساي ان اقول وتلك الساعات تمر علي كانها ليل ثقيل ثقيل، يشبه الى حد كبير ذلك الحجر الجاثم على صدر بلال الحبشي، وكلي امل ان تتبعه حرية بلال . فاتسائل ان كانت تلك حالتي هنا وانا على اريكتي الوثيرة في الدفء والحرية، فكيف كانت حالكما على مدى خمسة وعشرين عاما.
هي صفقة يصفها العدو الصهيوني بانها "مذلة" في انقلاب للموازين وعهر سافر باتت عليه الاعراف الانسانية، هي مذلة بالرغم من تفاخرهم بانه بدلوا اسيرا صهيونيا بالف ونيف،،، لكن الامر لا يقاس بالعدد يا ابناء القردة والخنازير، فجهاز القياس الخاص بنا ليس من صنع امريكا. لا نعرف طبعا ان كانت تلك الصفقة ستتم كاملة ام ان الجزء الاول منها فقط سيرى النور وسينسى العدو كل شيء الا الكره الدفين للعرب بعد تسلمهم الجندي "شاليط".
يصف العدو ايديكم الطاهرة بانها "ملطخة بالدم"، وان حكم الاعدام كان يجب ان ينفذ فيكم جميعا، واقول لو كان هناك عدل او اي من صفات البشر لدى اشباه البشر من اصحاب القرار في العالم لتم تنفيذ حكم الإعدام بالآلاف من مجرمي الصهاينة ممن شربوا دماء الفلسطينيين وورثوها ابنائهم ينابيع طازجة تناولوها متى شاؤوا.
بحسابات الربح والخسارة، لا شك ان العدو قد خسر كثيرا وقد ربحنا هذه الجولة، من باب التغيير ربما، شكرا حماس على تلك الحرية التي عملت عليها على مدى خمسة اعوام، رغم صعوبة الموقف والحرب الشرسة على غزة المحاصرة والاغتيالات والتنكيل، شكرا مصر وشكرا لكل انسان يؤمن ان البقاء للاقوى، شاليط سيلتقي بطبيب نفسي فور خروجه، فمن سيلتقي الاسرى الفلسطينيين جميعا وماذا جهز اغنياء العرب لهم لتعويضهم عن سنين القهر؟!
برغم كل الالم الماضي والحاضر، نحن سعداء. نعم وننتظركم جميعا، وننتظركما عماي الحبيبان بدموع لا ادر ان كنت سأذرفها ام اسرقها لأسردها حكايا لأولادي واحفادي عن بطولة امتدت في هذه العائلة. تبقى حريتكم منقوصة بسجن اكبر ويبقى خوف دائم على حياتكم جميعا.
يخرج عبد الناصر وطارق الحليسي ورفقاء البطولة في صفقة تتم في جنح الظلام. مكبلي الايدي والارجل، وحيدين غريبين نشاهد اجراءات الافراج عنهما مع الاسرى المشمولين بالصفقة على التلفاز كما جميع المشاهدين، فالابعاد في انتظارهما، لا احضان اخت او اخ ولا دموع فرح تملأ قمصانهما بعد سنين عجاف، لكنها الحرية، بوركت الحرية واهلا بها في "يوم الحرية".