بتكليف الدكتور عون الخصاونة نبدأ مرحلة جديدة نتمنى للرئيس المكلف العزيمة والقوة والإرادة لحمل استحقاقات المرحلة المقبلة، بحيث يجتاز بالبلد مرحلتها الحرجة.
فرحيل حكومة البخيت مرتبط بشكل أساسي بانسداد أفق الحوار مع المعارضة التقليدية والجديدة، بحيث لم يكن ممكنا نجاح العمل في ملف الإصلاح من دونها. وما ينتظر الرئيس المكلف كثير وليس بالأمر السهل، بل ثمة اختبارات عصيبة سيخضع لها لن تؤثر على الخصاونة وحده بل على مستقبل مسيرة الإصلاح في البلد واستقرارها.
ما يُقرأ من التغييرات في مراكز صنع القرار، وتحديدا التزامن بين تغيير قيادة المؤسسة الأمنية والسلطة التنفيذية أن ثمة تغيرا في الأجواء يقوم على تفاهمات محددة حول توزيع الأدوار في المرحلة المقبلة، بما يمكن الحكومة من استعادة ولايتها العامة، بحيث تكون صاحبة قرار الحسم في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية وغيرها.
وإذا ما تمكن الرئيس من استرجاع ولاية حكومته، فستسجل له كخطوة ناجحة ومهمة قد تكون سابقة بالنسبة للحكومات المتتالية خلال العقد الماضي.
صفحة الرئيس الجديد بيضاء وتساعده على البدء بهدوء، فالخصاونة لا يملك إرثا يحتاج إلى تبرير أو يتطلب مسحا من الذاكرة الشعبية، ما يعطيه الفرصة لفتح قنوات حوار مع مختلف فعاليات الحراك الإصلاحي، سواء ذلك المتمثل بالمعارضة التقليدية وهم الإسلاميون، أو الحراك الشعبي والشبابي المطالب بالتغيير والموجود في مختلف المحافظات.
الانطباع السائد عن رئيس الوزراء الجديد لدى الإخوان تحديدا إيجابي، وكذلك لدى رموز الحراك الشعبي الذين يرون فرصة للبدء بحوار جاد حول الإصلاحات المطلوبة في المرحلة المقبلة.
وحتى لا يعاد طرح شعار "تسقط الحكومة المقبلة"، فإن التغيير المطلوب يتجاوز التغييرات الشكلية والأسماء التي تتولى المواقع، لتطال العقلية التي تدار بها الأمور، بحيث تكون قاعدة عمل تقوم على أن الإصلاح الحقيقي المطلوب أصبح حاجة وضرورة وليس ترفا.
الأخطاء التي ارتكبت خلال الأشهر الماضية في التعاطي مع مطالب الإصلاح قد تكون الملف الأهم على طاولة الرئيس الجديد، بحيث يعمل على التعامل معه بوضوح وقناعة بأن لا مفر من الإصلاح، بعيدا عن استخدام الفزاعات التقليدية التي أربكت الشارع وحاولت إخافته من تبعات المطالبة بالإصلاح.
التغييرات في مراكز صنع القرار في المملكة تفتح الأبواب للتفكير برؤية جديدة وروحية مختلفة للتعامل مع الحراك، بحيث تضمن استقرار الأمور وتتمكن من امتصاص حالة الاحتقان وعدم الرضا الشعبي.
على حكومة الخصاونة أن تستعد لتكون "حكومة إنقاذ وطني" تنتشل البلد من حالة الخراب التي عمت منذ نهاية العام الماضي نتيجة ضياع البوصلة الرسمية لدى مختلف مؤسسات صنع القرار التي سعى بعض القائمين عليها للتعامل بعقلية عرفية حاولت جاهدة إبقاء الحال على ما هو عليه للحفاظ على مكتسبات يصغر حجمها أمام مصلحة البلد.
الرئيس بشخصه مقبول لدى مختلف الجهات، ونجاح مهمته مرتبط باختيار فريق منسجم متفهم لمتطلبات المرحلة وقادر على تنفيذها، وأهم من ذلك وضع برنامج زمني واضح للإصلاح الحقيقي يقوم على محاربة الفساد واشراك الجميع في العملية السياسية.
(الغد)