مبهم على كثير من الناس القصة الخفية وراء تحاشي ظهور طير البومة أثناء النهار وهروبها للكهوف وأعالي الأشجار.
حيث تحكي الخرافة أن البومة كانت رمزا غير مستحب لدى الحيوانات الضارية والطيور الجارحة إذ تمثل إله الأمراض التي تلحق بآكلات اللحوم، لذا عمدت هذه الحيوانات إلى نزع ريش البومة لكي لا تتمكن من الظهور في الغابة بشكل علني دفعا لخطرها المفترض والمرتبط بنهاية سلالة آكلات اللحوم.
في يوم من الأيام قرر الأسد ملك الغابة إقامة احتفال بهيج وعريض بمناسبة إتمام شبله العام الأول فدعا لإنجاح احتفاله جميع الحيوانات والطيور والزواحف لحضور هذا اليوم التاريخي من أيام الغابة.
بالطبع عرفت الحيوانات بالاحتفال بعد أن أذاع الخبر مسؤول البهجة لدى الأسد كما وصلت بطاقات دعوة لعلية القوم لتشريف الاحتفال.
كانت ترتيبات الجلوس في الاحتفال وفق العادات المتبعة للعائلة الأسدية، فإلى يمين الأسد تجلس الحيوانات الضارية والمفترسة وإلى جانبها الفيلة والتماسيح، وعلى شماله تجلس الطيور الجارحة وممثلين عن الحيوانات النهرية، وباقي الرعية تقبع بعيدا على سياج الحفل.
الكائن الوحيد الذي لم يحظ بالدعوة هي البومة لسبب أنها رمز شؤم ومنزوعة الريش في آن واحد، إلا أن مجموعة صغيرة من الطيور ممثلة بالحمام والببغاوات تمكنت من إقناع البومة بحضور الحفل بعد أن أبدت الأخيرة رغبتها بذلك، وللتغلب على مشكلة الريش "المنتوف" تبرعت نفس الحمامات والعصافير المتعاطفة بقبضات من ريشها لتغطية جلد البومة وتزيينها، على أن لا تظهر أمام الأسد وحاشيته حماية لها.
مشت الخطة وفق ما رتب لها وتمكنت البومة ولأول مرة من مشاركة أقرانها وحيوانات الغابة الاحتفال والرقص والغناء دون علم أي من المنظمين.
ما جرى أن إحساسا غريبا تملك البومة بعد هذه العزة التي لم تشعر بها من قبل، ويتعلق هذا الإحساس برهاب فقد الشيء، إذ أنها خشيت أن ينزع منها الريش بعد الحفل لذلك قررت ترك الحفل فجأة والفرار بهذه البهجة والمكسب التاريخي والمصيري في حياتها.
منذ تلك الأيام البعيدة الماضية والبومة حبيسة للظلمة وقد تظهر بين حين وحين ولكن بحذر مشوب.
إن السعادة التي غمرت البومة وقت إلباسها ثوب الريش كانت كافية بالنسبة لها للامتثال لأمر الأسد والمفترسات والضواري ولكن بلباس أنيق أعاد لها هيبتها كصيادة موهوبة بالفطرة فكان أثر القرار أخف وطأة من ذي قبل.
البومة الأردنية التي بعثت من جديد كانت قد استشعرت دفء الربيع في الغابة، ولم يعد في قلبها مثقال ذرة من خوف أو تردد.
أما عباءة الريش فيحفظها ضمير الأردنيين، وقد أخذت مجموعة من طيور الأردن على عاتقها أن تظهر البومة رغما عن كل الجوارح، وأن تظل رمزا يؤرقها على مدار الساعة.
كذلك لم يعد زئير اللبوءة وبعلها يبعثان فيها غير مزيد من الشجاعة والإقدام، لقد خاب من جعل البومة نذير شؤم وقد أصاب من جعلها نذير الحكمة فهكذا رآها الفلاسفة في اليونان.
تلك هي البومة حادة البصر والبصيرة، تستطيع التحديق بعينيها دورة كاملة، لا يفوتها شيء ولا مجال للمراهنة على إضعاف حواسها الخارقة.