رسالة النواب لـ"صاحب القرار"، التي تطالب بإقالة الحكومة، تمثِّل سهماً جديداً يحدّد اتجاه الحسم السياسي لأبرز الملفات المطروحة على الطاولة، وفي مقدمتها مصير الحكومة والانتخابات البلدية.
الأجواء النيابية تجاه الرئيس والإجراءات الحالية للانتخابات البلدية، كانت سلبية تماماً لغاية مساء أمس، وبرّر عدد من النواب الموقعين على الرسالة موقفهم بارتباك الحكومة في إدارة البلديات والتعامل مع قانون الانتخاب، والقلق مما قد يترتب على خطأ بهذا الحجم الكبير في هذه اللحظة الحسّاسة.
نواب آخرون وقّعوا على الورقة، ووافقوا على مضمونها، أكّدوا أنّ المبررات المذكورة ليست جديدة، وهم قد تبنوها منذ فترة طويلة، لكن السؤال الذهبي حالياً هو عن "دلالة التوقيت"، فيما إذا كانت من "علامات الساعة" للرئيس، الذي ما يزال متمسّكاً بعناد، بأنّ مسار الانتخابات البلدية برغم كل الشواهد المقلقة جداً، هو في الطريق الصحيحة، وأنّ الحكومة قادرة على احتواء المشكلات الحالية.
مصادر نيابية موثوقة تؤكّد أن ما يقارب 70 نائباً قد وقّعوا بالفعل على الرسالة، وهو ما يمثّل استحقاقاً أدبياً، وليس سياسياً، محرجاً للرئيس، ذلك أنّ الهدف سيكون من الرسالة استباق الوقت وتجنّب تأزيم الدورة العادية (26 الشهر الجاري) بحجب ثقة عن الرئيس، وإرباك المناخ السياسي على أبواب الانتخابات البلدية، ما تتجاوز انعكاساته الحكومة إلى الدولة عموماً.
في النتيجة؛ جاءت هذه الرسالة لتعزّز إشارات ونصائح متعددة من خارج رحم "النخبة التقليدية" قُدّمت (خلال الأسبوع الماضي) لـ"صاحب القرار" تبدي جميعاً قلقاً كبيراً من المسار الحالي (سواء على صعيد الإصلاح السياسي أو الصعيد الاقتصادي- المالي والتنموي أو حتى الصعيد الاجتماعي) وتدعو إلى ضرورة إعادة النظر فيه.
السؤال المفصلي، الآن، ما هي الفائدة من تغيير الحكومة؟ وهل سينقذ ذلك الوضع الراهن؟.. الجواب على ذلك مرتبط بشروط أي حكومة قادمة وطبيعتها، وقدرتها على إعادة فتح باب الحوار مع القوى المختلفة لإنقاذ خريطة الطريق الرسمية من الاصطدام بالحائط.
الخطوة الأولى لأي حكومة جديدة هي أن تعود خطوتين إلى وراء، فتؤجّل الانتخابات البلدية، وتشكّل لجنة من الخبراء لدراسة الأبعاد المختلفة لعملية الدمج والاستحداث، بما يتوافق مع المنظور التنموي والخدماتي بدرجة رئيسة.
سياسياً، هذه الخطوة تقطع منتصف الطريق باتجاه عودة الإسلاميين عن تعليق المشاركة، فتحفُّظهم لم يكن على الحوار مع الحكومة، بل على الرئيس الحالي، ومصادرهم تؤكّد أنّ المطالب الخمسة المعلنة ليست "محصّنة"، إذا تم التوافق مع الحكومة على "حزمة" كاملة من المبادئ تمنح ضمانات صارمة لمسار الإصلاح.
مشاركة الإسلاميين والقوى المختلفة في الانتخابات البلدية بمثابة متطلب سابق مهم لنجاحها سياسياً وإعلامياً، وهو ما تحرص عليه بعض دوائر القرار الرسمي، وتدركه جيّداً، لكنه يبدو صعباً في سياق "العلاقة المتوترة" مع د. معروف البخيت.
الدورة العادية على الأبواب، ومسار الانتخابات البلدية بالصيغة الراهنة يتكرّس على الأرض. لذلك أي قرار بخصوص مصير الحكومة وموعد الانتخابات البلدية والتفكير في الخيارات المتاحة والممكنة لن يتأخر، فـ"لعبة الوقت" تحدّد ذلك بأقصر مسافة زمنية متاحة!
بالضرورة، فإنّ القضية بالنسبة للشارع ليست بدرجة رئيسة مرتبطة بشخصيات بعينها، بل بمقاربات مواجهة الأزمة السياسية، وإدارة اللحظة الانتقالية الحالية بأقل كلفة من الخسائر، وأكبر قدر من الانفتاح والحوار مع القوى المختلفة، فالحلقة المفقودة التي تعاني منها "خريطة الطريق" الرسمية عدم وجود "قبول" لها من القوى الشعبية التقليدية والجديدة.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)