ومن بديع الوصف، وأكثره اغراقا في غرابة القول، وبعده عن الحقيقة أن يعتبر رئيس الوزراء مشروع قانون البلديات "إصلاحيا" ويمثل "نقلة كبيرة في الحكم المحلي"!
اي أن مشروع القانون "تصدى" لكل ما أفسدته الحكومات السابقة في إدارة شؤون البلديات، و"أصلح" من شأنها. أما كيف تحقق ذلك، فوفقا للفواصل التالية:أولا: استردّ الأردنيون حقهم المسلوب بانتخاب أعضاء المجالس البلدية كاملةً، وهذا حق تاريخي من أيام "البيضة والرغيف"، لا فضل لأحد بعودته في العصر الرقمي، ولا تعني هذه العودة أن القانون "إصلاحي"!
ثانيا: انتقص القانون من أهلية الأردنيين وقدرتهم على انتخاب أمين عمان، وكامل أعضاء المجلس، وهذا عيب سياسي وحضاري كبير، دفعته المخاوف المتعددة المضحكة، لكي لا يعتلي سدة الأمانة حزبي، ولكي لا تحتلّ الحركة الاسلامية مقاعد الأمانة .. "ذات الخصوصية" !!
ثالثا: أبقى القانون على البلديات تحت هيمنة الرقابة الحكومية، بحجة منع حدوث تجاوزات، ما معناه أن الحكومة ما تزال تخاف من نتائج الانتخاب الكامل، وتريد أن يبقى مسمارها ثابتا وكبيرا على حائط البلديات، لتعود إليه في كل وقت!
رابعا: من أجل ترويج صور متحركة بطريقة الفانوس السحري، وضع القانون حصة بنسبة 20 في المئة للمرأة، ليخالف الدستور، ويكرّس التمييز مجددا بين الأردنيين، وليحاول أن يطبع صورة دولة تٌعطي النساء "كوتا" ... ولكنها تمنع الأحزاب من التعبير السياسي في الشارع، وتريد حبس الصحافيين، وتكبيل الصحافة!
خامسا: ترك القانون المنطقتين الخاصتين في العقبة والبتراء، خارج اختصاص الأردنيين، في انتظار أن يبلغوا سن الرشد، لاختيار من يمثلهم في مناطق سياحية واقتصادية، تنام وتصحو على أحلام وردية بجذب الاستثمارات الخارجية!
هكذا، يجب أن نصدق الحكومة بأن القانون "إصلاحي"، وعلينا أن نُسلّم بوجود 34 نائبا "غير إصلاحي" في البرلمان، لأنهم صوّتوا، لصالح اقتراح بانتخاب كامل لمجلس أمانة عمان!
أسوأ ما في هذا "الاصلاح" الحكومي المدعوم من نواب الحكومة في البرلمان، هو المؤشر الدامغ على مدى "إصلاحية" قوانين المطبوعات، والانتخاب، والأحزاب، وسائر الوعود التي ينتظرها الناس، إن على هيئة تنمية سياسية، أو على هيئة تدابير اقتصادية!
وأسوأ ما يُحاك لبلادنا، ذلك الثوب الضيّق والخشن الذي يئن تحت بؤسه شعبٌ نضج أكثر من حكوماته، وجاع أكثر منها ايضا!