مشاريع القوانين المسلوقة إلى متى
المحامي جمال الخطاطبة
12-10-2011 05:05 AM
إن آلية سن التشريع في الأردن معروفة لدى الكثيرين وخاصة رجال القانون والمتخصصين والتي تبدأ في اقتراح مشروع القانون سواء كان من قبل الحكومة أو من قبل عشر أعضاء على الأقل من أعضاء أي من مجلس النواب والأعيان والذي يحال إلى لجنة مختصة في مجلس النواب لمناقشته ومن ثم يحال إلى الحكومة لتقديمه في صيغة مشروع قانون كونها صاحبة الاختصاص الأصيل في اقتراح القوانين ومن ثم يقدم إلى مجلس الأمة في الدورة المنعقدة أو التالية ليصار إلى مناقشته من قبل مجلس الأمة بدءا من مجلس النواب انتقالا إلى الأعيان فإذا اقره المجلسان رفع إلى الملك للمصادقة عليه بالتوقيع عليه وذلك خلال ستة أشهر وإذا مرت هذه المدة دون أن يُصدق من الملك يعتبر بحكم المصدق وبنشر في الجريدة الرسمية .
لا أريد أن أناقش آلية وتفاصيل سن التشريع ولكن ما أود التطرق إليه هو المرحلة الأولى في سن التشريع وهو اقتراح مشروع القانون وصياغته من قبل الحكومة والذي يعتبر بمثابة الولادة للقانون وهي مرحلة ذات أهمية بالغة جدا في إصدار قانون يحدد المراكز القانونية أو يعالج موضوع يخص العامة من الناس .
في الأردن لا نعلم كيف يتم اقتراح نصوص القانون ومن هم الأشخاص الذين يؤدون هذا العمل وهل هم من ذوي الاختصاص والخبرة في هذا المجال أم هي عبارة عن عملية نقل لنصوص قوانين من دول أخرى لا تتناسب مع واقعنا كما لاحظناه في كثير من القوانين التي ظهرت إلى حيز التطبيق ، أو تماشيا مع مصالح فئة مستفيدة من إقرار هذا التشريع بما يعرف بمصطلح تفصيل القانون لمن يهمه الأمر ، وفي الواقع لم يتولد لدي شعور بكفاءة مقترحي النصوص القانونية في كثير من مشاريع القوانين التي عرضت على مجلس الأمة أو التي صدرت بصفة مؤقتة .
في كثير من الدول المتقدمة التي تحترم سيادة القانون وحياديته وعموميته وتجريده تحرص كل الحرص على إخراج مشروع قانون عصري متوازن متوافق مع متطلبات المجتمع ولا يخضع لأي مصالح شخصية أو فئوية ويتم عبر أشخاص مختارين بعناية ومعروفين بنزاهة عالية لا يخضعون إلى أي ضغوطات من أي صاحب نفوذ أو منصب ، ومتخصصين في مجال التشريع المرغوب اقتراحه ، وكلمة المتخصصين لا تعني رجال القانون فقط وإنما أشخاص متخصصين في الموضوع الذي يعالجه التشريع وعارفين في مجالات التطبيق الأمثل المرغوب فيه ، فلو كان التشريع متعلق في نواحي طبية فيتم اختيار أطباء معروفين بالكفاءة والمقدرة العملية لأنهم الأقدر على تحديد المتطلبات الضرورية لهذا التشريع بالإضافة لرجال القانون المتخصصين وهكذا في كل مجال .
في دولة مثل الأردن تزخر بالكفاءات القانونية والأكاديمية والفنية وبجميع التخصصات فإنني استغرب كل الاستغراب أن لا يستشار مثل هؤلاء في مجال تخصصهم في حال الرغبة في اقتراح قانون ينظم قطاع أو مجال معينا ، لماذا لا يتم تشكيل لجنة متخصصة من كبار رجال القانون في الأردن من قضاة ومحامين وأساتذة جامعات ومتخصصون في مجال التشريع وتوكل إليهم مهمة اقتراح مشروع قانون في مجال من المجالات لنخرج بمشاريع قوانين على درجة عالية من العدالة والنزاهة والحيادية والعصرية فنتجنب سوء التشريع وعيوب التطبيق وسخط المظلومين .
إنني في هذا المجال اقترح إنشاء لجنة متخصصة تسمى لجنة صياغة مشاريع القوانين تنطوي تحت مظلة ديوان التشريع يتم اختيار أعضائها بعناية وبشفافية عالية على أن لا يقل عدد أعضائها عن خمسة عشر عضوا بينهم قضاة ومحامين وأساتذة جامعات ومتخصصين في مجالات التشريع وتكون مدة العضوية فيها سنتان ولها حق الاستعانة برأي الخبراء والفنيين في أي مجال يعالجه مشروع القانون المقترح حتى تحضى بالثقة والقبول لدى المجتمع ، ونتخلص من عملية سلق القوانين وإخراجها مليئة بالعيوب والنواقص والتي بدورها تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي .