وسط الصمت والتواطؤ , يواصل حلف النيتو ارتكاب جريمة ضد الإنسانية في مدينة سيرت الليبية. المشاهد البلهاء تصوّر مقاتلي " الثورة الليبية", وهم يطلقون النار من بنادقهم في الهواء, بينما تقوم مقاتلات النيتو بمهمة القتل الجماعي وتدمير المدينة.

تدخّل النيتو, بالأساس, وفق قرار دولي, لحماية المدنيين في بنغازي من الإبادة على أيدي قوات القذافي. فما الذي يفعله الحلف المجرم, الآن, وقد اصبح القذافي فارا? ومَن يحمي مواطني سيرت من الإبادة والتهجير والجوع والتشرّد? ومن يحمي ملايين الليبيين من إجراءات الإنتقام الدموي والاستبداد والاعتقال والتعذيب والمطاردات التي ينفّذها مجرمو القاعدة السابقون الذين تحوّلوا, ببركات الغرب الإمبريالي, إلى "ثوار" مخوّلين بنصب محاكم التكفير للمواطنين البسطاء, مرتكبين أبشع صنوف البطش والإعتداءات المنفلتة من نفوس مريضة بالحقد نحو المجتمع كله?

كيف تحول أعضاء القاعدة من العداء الهستيري للغرب إلى القتال الهستيري تحت راياته الصليبية ضد أبناء وطنهم. هذا سؤال برسم علم نفس الإجرام. ولكننا, فقط, نلاحظ أن نفسيّة الإجرام تتمتع بقدر من الثبات, بينما تتغير المسوّغات والرايات بما يخدم شهوة الإرتكاب الجرمي.

كان نظام القذافي, عندي, أسوأ نظام سياسي يمكن تصوّره. ففي النماذج المعتادة, يوازن النظام الإستبدادي, القمع المعمّم, بإنجازات موازية, تنموية واجتماعية وثقافية. نظام القذافي لم يكن سوى مستبد أعمى بلا إنجازات, يتربع على رأسه مجنون بالعظمة بدّد الموارد الليبية وترك البلد متخلفا.

لكن, بالمقابل, ما حصل هو أن النيتو استغل الفرصة للقيام بحرب شاملة ضد ليبيا وشعبها. عشرات آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين والتدمير الشامل لبلدات ومدن وبنى تحتية. هذه الدرجة من الحقد رأيناها في العراق, لكن الجديد الآن أن الجريمة الغربية في ليبيا جرت وتجري من دون تغطية إعلامية ومن دون صورة.

ليبيا الآن مستعمرة. وكما حدث في العراق, فإن المُستَعْمِرين لن يستطيعوا الإعتماد على الليبراليين كوكلاء, بل على التيارات السلفية ومقاتلي القاعدة السابقين. الثروة الليبية المهدورة ستتحول الآن إلى ثروة منهوبة. وبدلا من مجنون واحد سوف يتحكم بالليبيين آلاف المجانين الحاقدين, والبلد مدمّر, والمعتقلات مزدحمة. سلّم الغرب رأس نظام القذافي للجماعات السلفية والتكفيرية, وسلّمه هؤلاء ليبيا.

هذه المساومة هي التي يجري ترتيبها الآن في سورية. فجماعات السلفيين المسلحين التي قتلت حتى الآن أكثر من ألف مواطن سوري على الهوية المذهبية أو في هجمات على الجيش والشرطة, تشكّل الغطاء " الشرعي" لحرب النيتو ضد سورية وشعبها, الحرب التي يعيقها حتى الآن الفيتو الروسي الصيني.

سورية غير ليبيا. فهي تقع في قلب المشرق العربي, وسقوطها يعني سقوط الحصن المستقل الأخير للعروبة, والبلد الذي ترتكز إليه قوى المقاومة ضد إسرائيل وقوى التحرر ضد الغرب الاستعماري. وللنظام السوري - المستبد بصورة لا عقلانية - انجازات إقتصادية واجتماعية وثقافية. وكل ذلك سوف ينهدم لصالح مستعمرة جديدة يديرها جلادون سلفيون.

الإنتفاضة السورية, في انطلاقتها الأولى الديموقراطية الاجتماعية, حققت نجاحات حقيقية: حرية المعارضة الوطنية ووقف المشروع النيوليبرالي, بينما يعرض النظام تسوية جدية لم يعرضها نظام عربي آخر. والمطلوب اليوم وقفة شجاعة مع الأطراف الوطنية في سورية لإنجاز تلك التسوية, تجنّبنا عراقا آخر في البلد الحبيب التوأم.

ynoon1@yahoo.com

(العرب اليوم)