كتب الناقد توماس شتاينفلد في صحيفة زود دويتشه معلقا على فوز الألمانية هيرتا موللر بجائزة نوبل للآداب قبل عامين: سيكون على قراء الأدب ان يتخلوا عن فكرة ظلوا يؤمنون بها ويرتاحون إليها وهي ان جائزة نوبل تقدير لا يناله الا افضل كتاب عن أفضل الأعمال الأدبية.
وباعتقادي ان هذا ينطبق على كل مجالات وحقول جائزة نوبل خصوصا التي تعطى للسلام, فنظرة واحدة على قائمة أسماء بعض الفائزين بجائزة نوبل للسلام تكفي لمعرفة طبيعة التوجه السياسي لمانحيها, ومنهم السياسي الأمريكي هنري كيسنجر عام ,1973 والمنشق السوفييتي أندريه زخاروف عام ,1975 وأنور السادات ومناحيم بيغن عام ,1978 ومؤسس حركة تضامن البولندية المناهضة للسوفييت ليخ فاليسا عام ,1983 أيليا ويزل عام ,1986 والمنشق الصيني الدايلي لاما عام ,1989 ومقوض الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عام ,1990 وموقعو اتفاقية أوسلو ياسر عرفات وشمعون بيريز وإسحق رابين عام ,1994 وكوفي عنان عام ,2001 والمعارِضة الإيرانية شيرين عبادي عام ,2003 ورئيس هيئة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي عام ,2005 وأخيراً باراك أوباما, رئيس الولايات المتحدة, عام ...2009 قبل أن ينهي ولايته أو ينجز شيئاً, وربما كانت الأخيرة تعويضاً لأوباما عن تراجعاته أمام اللوبي اليهودي حول مطلبه بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية بالكامل...!
ترددت طويلا قبل كتابة هذه الكلمات..لانها تتعلق بأول امرأة عربية تفوز بجائزة نوبل, ولانها قد لا تعجب الكثيرين بل وتغضبهم ايضا لان كلماتي تخرج عن المألوف وضد قاعدة ما يطلبه القراء..
بداية اود التأكيد انني لست مع الهجوم عليها لانها مسلمة او الدفاع عنها لانها ترتدي الحجاب لان هذا جدل عقيم وضعيف امام القصد من منحها جائزة نوبل للسلام.
عندما لمع اسم الناشطة اليمنية توكل كرمان في الشارع تعاطفت معها بقوة وكنت اول من نشر لها حوارا مطولا على صفحات صحافة وإعلام في العرب اليوم إيمانا بها كشابة ناشطة وإعلامية تشق طريقا للصفوف الاولى.
ولكنني استهجنت منحها وعندما فازت بجائزة نوبل للسلام ورأيت انه بدري على شابة -32- نيل جائزة بحجم نوبل..وانه وبمقارنة تجربتها مع نساء اخريات تجرعن الويل من الاضطهاد والإقصاء ومن صنوف التعذيب في السجون من اجل كلمة حق...ألح على سؤال لماذا توكل كرمان?! لماذا هذه الثائرة العربية الشابة?
عدت الى سيرة الناشطة اليمنية كرمان وتفحصت كل ما كتب عن إخبارها وتصريحاتها المنشورة باللغة الانجليزية وفي كبرى الصحف الغربية استخلصت انه لم تكن مفاجأة لها نيل الجائزة بل ان جهود السفارات الأمريكية كانت تدفع باتجاه ان تلعب توكل دورا مشرفا في السياسة اليمنية...فقد كانت السفارة الأمريكية في اليمن أول المبادرين بالاتصال بها وتهنئتها بالجائزة والإشادة بدورها في الديمقراطية وحقوق الإنسان.(مع التنويه هنا ان الداعية الى اللاعنف المهاتما غاندي الذي وضعت كرمان صورة له على مكتبها لم ينل شرف الجائزة فان كان تشجيع محاربة اللاعنف هو هدف نوبل للسلام, فهو لم يحصل عليها, مع أنه رشح لها عدة مرات!).
هذه الشابة قليلة الخبرة مقارنة بكل النساء الثائرات في مصر وفلسطين وتونس واليمن كان بداية تحضيرها لتكون نموذجا أمريكيا بين الشباب الثائرىن هو دبلوم صحافة استقصائية من أمريكا. ففي لقاء بعد تسلمها جائزة نوبل للسلام مع الصحافي سودارسن راغنان مراسل الواشنطن بوست تمنت توكل ان تزيد أمريكا والمجتمع الدولي من الضغوطات على علي عبدالله صالح ليتنحى.....اي انها مع التدخل الأجنبي في اليمن..
وكانت السفارة الأمريكية في صنعاء قد رشحتها العام الماضي لجائزة المرأة الشجاعة!!! ففي سياق التحضير لدورها المشرف قام السفير الأمريكي ستيفن شيس (حسب صحيفة (BahrainEve) والملحقية الإعلامية بالسفارة الأمريكية ديبرا سميث بصنعاء بزيارة لمقر منظمة صحفيات بلا قيود التي ترأسها توكل كرمان , لتكريمها ومنحها جائزة الشجاعة وأثنى السفير الأمريكي على نشاط منظمة بلا قيود ورئيستها في الدفاع عن حقوق الإنسان, وقال ان سفارة بلاده حريصة على العمل على تمكين المرأة اليمنية في المشاركة السياسية الفاعلة وأنها تنظر بإعجاب لنضالات الحركة النسائية في اليمن, كما تساند الدور الفاعل والايجابي لمنظمة صحافيات بلا قيود في المجتمع المدني وتعزيز حرية الصحافة
وقالت كرمان وأيضا حسب صحيفة (BahrainEve) أنها ممتنة لهذه الزيارة وقبلها للدور البارز للسفارة والمنظمات المدنية الأمريكية في مساندة المجتمع المدني ونشطاء حقوق الانسان في اليمن, أن منظمتها ترحب وتراهن على الدور الأمريكي في الشراكة لتعزيز حقوق الإنسان والحريات المدنية في اليمن.
وأشارت نائبة السفير انجي براين في حفل التكريم إلى أن اختيار السفارة الأمريكية لتوكل كرمان لتكريمها ومنحها الجائزة في اليوم العالمي للمرأة يأتي لانها من أبرز المدافعين عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان في اليمن وأول ناشطة تطلق في عام 2007 مرحلة احتجاجات واعتصامات.
كما اختارتها مجلة تايم الأمريكية للقب اكثر النساء ثورية في التاريخ!!!و اختارتها المجلة ذاتها في المرتبة 11 من قائمة اكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم لعام ..2011
لا اعتقد ان الناشطة اليمنية كرمان تستحق هذا الكم من الألقاب والجوائز الأجنبية, فهناك نساء كثيرات قمن بدور مميز في ثورات الربيع العربي حتى في صنعاء وتعز هناك ناشطات بقين في الظل وقمن بادوار كبيرة وخضن تجارب مريرة لانجاح الثورات ضد الظلم ولم تمنحن السفارات الأمريكية بركتها ..
لا اقصد التشويش على توكل كرمان او اغتيال فرحتها او الانتقاص من دورها كناشطة ولكنني اريد ان اوصل رسالة تفيد ان خيارات اللجنة التي تختار الفائزين بجائزة نوبل للسلام خيارات منحازة لها بعدها السياسي وعمقها غير المكشوف الذي يتجاوز الأهداف التي وضعت من اجلها الجائزة
اريد الكشف عن دور الولايات المتحدة وتدخلها في الربيع العربي بوساطة اصدقائها ومؤسسات المجتمع المدني التي تمولها, وهو دور ينشط تحت مظلة دعم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
العرب اليوم