أنكر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي, حمزة منصور, صلة " الإخوان" بالشعارات العالية الساخنة التي انطلقت في مسيرة العاصمة, يوم الجمعة الماضي.
من المعروف أن تلك المسيرة هي من تنظيم " الإخوان". وكانوا مسيطرين تماما على لوجستياتها, بما فيها السماعات التي انطلقت منها الشعارات الملتهبة. صحيح أن مطلقي تلك الشعارات لم يكونوا إسلاميين, وإنما من نشطاء المحافظات, لكن لا يستطيع منصور, ببساطة, شطب مسؤولية حزبه السياسية عن ذلك التطور الذي نقل شعارات الطفيلة والكرك وذيبان إلى عمان.
المشكلة التي يواجهها " الإخوان" هي مشكلة التحشيد. فجمهورهم التقليدي محجم عن المشاركة في الفعاليات السياسية القائمة في البلاد, وبالمقابل, فالإضطرار إلى استقطاب جمهور الحراك الشعبي من المحافظات, له ثمن سياسي باهظ.
لم يعد جديدا القول إن المعارضة الأردنية منقسمة بين برنامج إصلاحي ليبرالي يتزعمه " الإخوان", وبين برنامج شعبي جذري يعبّر عن نفسه من دون ضوابط أو سقوف كما هو الحال في المحافظات.
جماعة " الإخوان" وأحزاب المعارضة التقليدية أمام مأزق. فالحراك الشعبي الذي يمنحها الدفع السياسي, يتجاوز برامجها وسقوفها, وليس لديها هي, بالمقابل, جماهير لبرنامجها الإصلاحي. الحقيقة الأساسية, هنا, هي أن ذلك البرنامج المعتدل ليس لديه جمهور أصلا. جمهور الحراك الأردني الحالي هو جمهور راديكالي. فإما يلحقه " الإخوان" وقادة المعارضة التقليدية, وإما انهم سيواجهون العزلة الشعبية.
وربما كان هذا المأزق دافعا رئيسيا لانخراط " الإخوان" في الحوار المقترح مع الجانب الرسمي الذي له مصلحة جوهرية, اليوم, بإجراء تفاهمات مع قوى الإعتدال السياسي.
أوساط النخب - البعيدة عن الميدان الشعبي - تميل إلى المبالغة الساذجة في تقدير قوة "الإخوان" الميدانية والسياسية والنيابية. وربما لا تكون تلك المبالغة ناجمة عن السذاجة في قراءة المظاهر والإستطلاعات الناقصة فقط, وإنما عن إدراك صحيح لحجم "الإخوان" في السياق الإقليمي والدولي. فإذا كان هؤلاء الذين يلهثون وراء الحراك الشعبي في الداخل, فإن صلاتهم الخارجية, السياسية والتنظيمية واللوجستية والإعلامية, ودور جماعتهم في المنطقة, يمنحاهما قوة مضاعفة.
إذاً, يمكننا أن نفهم دواعي الحوار مع " الإخوان" وإجرائه على أعلى مستوى سياسي, إنطلاقا من العوامل الخارجية ذات الأولوية في حسابات القرار الأردني. و على المستوى الداخلي,فإن التفاهم مع " الإخوان" - الذين يستبعدون المسألتين الوطنية والاجتماعية - ممكن, ولكن ماذا عن إمكانية التفاهم مع قوى الحراك الشعبي التي تلحّ على أولويات صدامية مثل مراجعة ملفات الفساد والخصخصة ومحاكمة الفاسدين والتخلي عن النهج النيوليبرالي وإعادة بناء القطاع العام والعدالة الاجتماعية وتنمية المحافظات واتخاذ إجراءات سياسية في مواجهة خطر الوطن البديل, وفي مقدمتها تجميد معاهدة وادي عربة وقوننة فك الإرتباط...
كل هذه القضايا التي تسبب الصداع لا مكان لها على مائدة الحوار الثنائي. وهو ما يسهّل الإتفاق. لكنه سيظل اتفاقا منفردا.
الأردن في العام 2011 هو غيره في العام 1989 حين كانت الصفقة المنفردة مع " الحزب الكبير الوحيد" قادرة على تمرير زمن الأزمة. اليوم, هناك حقائق جديدة لا مناص من التعامل معها; فالبرنامج الوطني الاجتماعي الديموقراطي حاضر بقوّة وسط فشل الدولة وتفككها وخواء النخب المسيطرة. ولم يعد ذلك البرنامج مجرد رؤية للمعارضة الثقافية, بل غدا متأصّلا في شبكة من اللجان والتجمعات الشعبية والقادة الميدانيين والنشطاء, مما يؤلف قاعدة صلبة للمعارضة الدائمة.
كيف يمكن الحوار مع هذه المعارضة الجديدة? ومَن يمثلها? وهل هناك إرادة أو حتى قدرة سياسية لدى النظام, لتلبية مطالبها التي تفرض مراجعة شاملة, بل تغييرا اجتماعيا عميقا? هذا مأزق آخر.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)