لا يعني موت حنان بورات- الزعيم الأهم في تاريخ حركة الاستيطان الديني التي ظهرت بعد حرب عام 1967 على شكل حركة غوش إيمونيم- أن المجتمع الإسرائيلي فقد القوة الدافعة لاستيطان المزيد من الأرض الفلسطينية. فصحيح أن حنان بورات بوصفه زعيما لهذه الحركة كرّس حياته من أجل فكرة لاهوتية وهي الخلاص- الذي أخذ شكل الاستيلاء على أرض الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي القدس المحتل- غير أن رحيله لم يغير في الأمر شيء.
فحنان بورات وعدد كبير من قادة حركة الاستيطان تخرجوا من مدرسة مركاز هاراف في القدس، وهذه المدرسة التي كان يرأسها الحاخام كوك الإبن خلقت جيلا من النشطاء الذين قلبوا حزب المفدال رأسا على عقب، فحزب المفدال (الوطني الديني) كان شريكا تابعا لحزب العمل ولا يتدخل كثير في السياسة الخارجية وبقي مركزا جهوده على مسائل متعلقة بالتعليم. غير أن خريجي مدرسة مركاز هاراف اخترقوا الحزب وبإعداد كبيرة وجعلوا منه حزبا تابعا لحركة غوش إيمونيم الاستيطانية.
ومنذ عام 1974 أخذ حزب المفدال بالتقارب مع الليكود الذي كان رئيسة آنذاك- مناحيم بيغن- يغازل المستوطنين بغية تغيير خارجة الائتلافات الحكومية التقليدية لإلحاق أول هزيمة بحزب العمل، وهذا ما تحقق بالفعل بعد سنوات قليلة.
الهدف من التقارب بين المفدال والليكود هول منع حزب العمل من التوصل لتسوية مع الأردن أو مع الفلسطينيين، ورأت حركة غوش إيمونيم أن رفع وتيرة الاستيطان يمنع حزب العمل من تقديم ما يغري الطرف الآخر للتوصل لتسوية سياسية، وهكذا جاء الاستيطان كإستراتيجية صهيونية واضحة لتقويض فرص السلام. لهذا السبب دخل المفدال- المدفوع من حركة غوش إيمونيم- في تحالف مع الليكود في عام 1977 ومنذ ذلك الوقت ظهر وضع سياسي في إسرائيل أدى إلى تصهيّن المتدينين ما خلق التيار الوطني الديني الطاغي في إسرائيل الذي تمكن من فرض الأجندات السياسية للمجتمع الإسرائيلي.
لن يغير موت حنان بورات من حقيقة أن هناك تيارا وطنيا دينيا في إسرائيل لا يريد السلام وإنما الأرض، فللتيار القدرة على كبح جماح أي حكومة إسرائيلية إن تقدمت بشكل حقيقي نحو السلام مع الفلسطينيين، فالتيار قادر على رفع الكلفة السياسية على أي رئيس حكومة- وبخاصة ورؤساء الحكومات لا يفكرون إلا بسباق البقاء السياسي لهم- بشكل لا يحتمل. بكلمة، ديناميكية القوة في المجتمع الإسرائيلي لا تساعد إلا على تعميق الأزمة، ولهذا السبب لن تتغير السياسة الخارجية إلا بفعل العامل الخارجي.
hbarari@gmai.com
(الرأي)