أضحكني الخبر الذي قرأته في صحيفة يومية عن توقيف محاسب يعمل في إحدى المؤسسات العامة "يشتبه " بسرقته خمسة دنانير من متسوقة ، وإحالته إلى لجنة التحقيق ، وجلب لي الشعور بالراحة و الإطمئنان على مستقبلنا ....أخيرا بدأ طريق الإصلاح وبدأ الهجوم على الفساد !!!
وما يثير السخرية أكثر أن المصدر الذي أفضى بالخبر ، والذي لم يفصح عن اسمه وهو يكشف قضية خطيرة جدا ، يبين أن المشتبه به ، كانت فعلته بتكرار سحب النقود من بطاقة بنكية لمتسوقة اشترت بضائع بقيمة خمسة دنانير ، وتم إيقافه عن العمل لحين صدور نتائج التحقيق ، مع أنه يدعي أن تكراره لعملية سحب النقود لم يكن مقصودا ...، تخيلوا أن لا إثبات حقيقي على سرقته للخمسة دنانير ، في وقت أغفلنا عن هذا الشخص حسن النية لمحاولته تسهيل مهمة متسوقة ، وقد يكون في ذلك سوء نية (الله أعلم )!!!
ويثبت ذلك المصدر نفسه أن تكرار سحب النقود ، يكون لصالح الجهة المسجلة الآلة باسمها ، وليس لصالح الموظف الذي يقوم بسحب المال من البطاقة ، وفي حال ثبت عليه الجرم ، فإن الغاية من تكرار السحب من البطاقة يكون للاستفادة من البضائع بصورة عينية ، أو بيعها بالسعر المحلي في الأسواق .
إننا مع الكشف عن قضايا الفساد مهما كانت ، ولأي جهة تتبع ، ولكن نحن مع العدالة والمساواة في الإفصاح عنها ، ولسنا مع فضح من يشتبه بسرقته خمسة دنانير، ويتم التستر على من سرق المليارات ...
لكن المفارقة العجيبة أن من سرق ونهب هذا البلد الغني بأخلاق أبنائه لم يكتب عنه خبرا ، بل تخصص لهم صفحات كاملة لسرد أعمالهم البطولية ، وما سجلوه من مآثر وإنجازات ، وهم على مقاعدهم ،التي لم يصونوها ، ونهبوا أموال المؤسسات والوزارات التي تولوها ، أو جلسوا عليها ، وكأنها مكافأة لهم على اختلاساتهم ، وللإستعانه بقدراتهم ومزاياهم الفريدة في الفساد .
نعود إلى قضيتنا الخطيرة .. تخيلوا خمسة دنانير ، أكيد أنكم تشاركونني الرأي بأن الموضوع لا يستحق خبرا فقط ، بل يحتاج الى "محاكمة علنية"، يتم فيها إثبات الواقعة ، وإيقاع أقسى العقوبات على المتهم ، لتصل إلى حد الإعدام بقطع رقبته بالسيف ، على أن يتم تنفيذ هذه العقوبة في ساحة المسجد الحسيني ، وعلى مرأى من جميع الناس ؛ ليكون عبرة لمن لا يعتبر ، ولمن تسول له نفسه أن يمد يده على فلس واحد، وليس على خمسة دنانير من أموال الغير ، أو من موارد الوطن.
وربما أنكم تؤيدونني، بأنه ولغاية تنفيذ الحكم بهذا الموظف يجب التحفظ عليه في "فندق سلحوب" ذو الخمس نجوم !!عفوا في سجن سلحوب السياحي ، وأن تقدم له العناية الصحية اللازمة ، حتى لو لزم الأمر إرساله إلى لندن، ولو وجدناه في المانيا فهذه رفاهية ؛ تسجل لنا عند مؤسسات حقوق الإنسان ، حتى لو الغيت تأشيرته للسفر حفاظا على حياته ، وذلك لبعد إنساني ، ونطالب بمساواته بحقوق السجناء الآخرين من زملائه وأعتبار منزله سجنا لغاية حلول موعد تنفيذ حكم الإعدام به !..
وحتى نحكم قبضتنا على الفساد نطالب بإحياء قانون من أين لك هذا ، الذي يعيدنا إلى الوراء قليلا ، إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، عندما خرج إلى النور لأول مرة قانون من أين لك هذا ؟.. واستبشرنا وقتها خيرا بصون الوطن من أيدي العابثين ، لكن سرعان ما تبددت أمالنا عندما توقف التطبيق الفعلي ممن استثمر وظيفته ببضع دنانير ، واستبدل حكومته بحكومة أخرى ؛ خوفا من أن يصل التطبيق للقانون على "عتاولة " الفساد ممن نهبوا وسرقوا واستثمروا وظائفهم بملايين الدنانير .. !!.
إنني أدعو المواطنين الأردنيين إلى متابعة محاكمة صاحب الخمسة دنانير ، حتى يشاهدوا اعترافاته على العلن، ويتحققوا إن كان له سوابق من قبل ، حتى نسجل انتصارا رائعا للديمقراطية ومكافحة الفساد في بلدنا .
الصفر في علم الرياضيات يحفظ منزلة ، ما لم يقترن برقم ، لكن الأردن استخرج قاعدة جديدة ، ألا وهي أن الصفر إذا اقترن أو لم يقترن برقم يبقى هو حافظ منزلة ، بدليل أننا نحاسب صاحب الخمسة ، وننسى من يبتلع الملايين ... واعجبي !! .
أخي القارئ ابتسم فأنت في الأردن .
Jaradat63@yahoo.com