كانت الجمعة الماضية, جمعة المؤشرات في الخارطة السياسية للحراك الشعبي الأردني.
رئيس الوزراء الأسبق, أحمد عبيدات, حسم تردّده ونزل إلى الميدان, في مؤشر جديد على تنامي قناعة الرأي العام بإنغلاق باب الحوار. فلقد كشف مسعى فرض المادة 23 , عن استمرار التمسك باحتكار السلطة وعدم الاعتراف بالولاية العامة للحكومة والتصميم على حماية الفساد والفاسدين.
وفي تطور لافت, انتقل خطاب عبيدات من التجريدات الحقوقية الليبرالية إلى التركيز على البند الأول في برنامج الحراك الشعبي; ملفات الفساد والخصخصة والاستيلاء على أموال وأراضي الخزينة. ورغم أن خطاب عبيدات بقي في إطار الرؤية الليبرالية الإقتصادية, فقد طالب بتطهير الاقتصاد الوطني من الكمبرادور ( وكلاء المصالح الأجنبية), مما يدلّ على استجابته للضغوط الشعبية.
ضمت مسيرة عمان التي شارك فيها نحو ثلاثة آلاف, كتلة إخوانية تقدّر بثلث عدد المشاركين, بينما توزّع الثلثان الباقيان بين الأحزاب القومية واليسارية وبعض لجان المحافظات وامتداداتها في عمان. وإذا أخذنا بالإعتبار أن جماعة الإخوان وأحزاب المعارضة التقليدية والنقابات المهنية, قد بذلت اقصى جهود ممكنة للتحشيد لمسيرة أُريد لها إعادة تسليط الضوء على " الجبهة الوطنية للإصلاح" مجددا, فإنه يمكن الاستنتاج بأن أهالي العاصمة ¯ التي يقطنها حوالي ثلث الأردنيين ¯ ما يزالون بعيدين عن حركة الإحتجاج. وهذا يشمل الفئات البرجوازية و الوسطى و الشعبية.وهو ما يؤكد, مرة أخرى, على أن الحراك الأردني هو حراك الكادحين والمهمشين في المحافظات. ولا يمكن, بالتالي, لأيّ قوة سياسية أن تتجاهل طبيعة ومطالب جماهير هذا الحراك.
لم يتمكن " الإخوان" ¯ الذين ينبغي الإعتراف بأنهم أحرزوا, مؤخرا, بعض الاختراقات الشعبية هنا وهناك ¯ من تجاوز أنفسهم وتقديم طروحات جديدة, وطنية واجتماعية, تلحمهم بالحركة الشعبية, بينما القوى القومية واليسارية ما تزال عاجزة عن توحيد صفوفها والتجاوب مع النداء الوطني الاجتماعي. وهكذا, يظل أمل التغيير الديموقراطي معقودا على ولادة نخبة سياسية جديدة من صفوف القادة الميدانيين في المحافظات. وهو ما يدعو إليه, بإلحاح, المهندس ليث شبيلات.
سمح "الإخوان", الذين سيطروا لوجستيا على المسيرة, بهتافات ساخنة أطلقها مشاركون أبرزهم من لجنة حي الطفايلة, وشاركوا الآخرين في الشعارات المعادية للفساد والفاسدين,لكنهم حافظوا على مركزية شعاراتهم ذات الطابع الإصلاحي الحقوقي, وميّزوا أنفسهم, بين حين وآخر, بشعارات دينية صريحة, وأعطوا لعبيدات إشارة دعم كبيرة لزعامته حين علا تصفيقهم له, واحتشدوا لسماع كلمته الختامية والوحيدة في نهاية الفعالية.
أغلب الظن أن " الإخوان" عادوا للدفع وراء عبيدات, لتلافي تبعات ويكليكس الأردن على صورتهم ولمواجهة الزحف الشعبي الكبير وراء خصمهم العنيد شبيلات الذي ما يزال يحظى بأعلى تأييد جماهيري. وبقراءة عناصر المشهد الأردني المعقدة, يمكن القول إنه يمكن للأخير تزعّم المعارضة الأردنية إذا تمكن من تكوين جبهة وإطلاق برنامج سياسي متوازن يأخذ بالإعتبار المسألتين الوطنية والاجتماعية.
على عكس عمان, استجابت الكرك للتحشيد في مسيرة غاب عنها " الإخوان" تماما.وأعلن المشاركون فيها هوية فكرية ¯ سياسية صريحة مضادة لهم. وهي, حسب الهتافات, هوية " قوميّة ويساريّة. لا بتّاجرْ بالدين. ولا بتبيع القضيّة"!
في "خرجا", حيث يتراكم الوعي والغضب, كان التحشيد أيضا ناجحا سياسيا بمقارنة بلدة صغيرة بالعاصمة الكبيرة. وكانت الهتافات عالية السقف ومركزة. وكما يحدث عند ولادة بؤرة جديدة للحراك الشعبي في أي مكان, واجه المحتجون أعمال بلطجة سوف تتضاءل لاحقا, وسوف تتحول خرجا إلى بؤرة ساخنة في قلب الشمال.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)