أحد عيوب الثورات العربية في أكثر من بلد هو أن الشارع بقي من دون قيادة حقيقية، بمعنى أن هنالك حراكا شعبيا وزخما كبيرا- ربما لا يجاريها في التاريخ الحديث سوى الثورة الإيرانية في عام 1979- غير أنه وباستثناءات قليلة لم تتبلور قيادة سياسية يمكن لها قيادة الشارع نحو الديمقراطية بعد النجاح في اسقاط الأنظمة.
وفي الحالة السورية هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى لتبلور مجلس يقود المعارضة والشارع حتى تتم عملية الانتقال- في حال سقوط نظام الأسد- دون انقسامات داخلية، فالوضع السوري مختلف كثيرا عن نظيره المصري لأن سيناريوهات سوريا بعد الأسد ستبقى مفتوحة على أكثر من احتمال وبعضها مخيف ومرعب للسوريين وللإقليم.
حسنا فعلت المعارضة السورية عندما التقت في اسطنبول يوم الأحد الماضي وشكلت المجلس الوطني السوري بهدف التعامل مع المجتمع الدولي ولتقديم بديل للأسد. فهي بذلك تكون قد فوتت فرصة على النظام السوري الذي لم يتوقف عن محاولاته البائسة لدق الأسافين بين الثوار بغية اضعافهم وتقديمهم كخارجين على القانون بدلا من ثوار ضد الظلم والطغيان. وحسنا فعلت المعارضة بتقديمها للأكاديمي والمفكر السوري برهان غليون لما يتمتع به من احترام شديد في سوريا وخارجها، فقد بقي السيد غليون مستقلا من الناحية السياسية وهذه ميزة قل وجودها هذه الأيام.
ويبدو أن تحرك المعارضة السورية بهذه الطريقة جاء نتيجة لتطورات ميدانية، لكنها أيضا جاءت بعد أن وضع العديد من الدبلوماسيين والسياسيين الغربيين اصابعهم على موطئ الخلل في الثورة السورية ألا وهو غياب معارضة موحدة، فهناك خوف شديد لدى الغربيين والكثير من العرب بأن غياب قيادة موحدة تكون بديلا للأسد ونظامه سيكون كارثيا في حال زوال النظام السوري، ولهذا السبب يتردد البعض في الغرب وعند العرب من دعم الثورة السورية التي وصلت إلى نقطة اللا عودة، فأي نجاح شعبي دون وجود مجلس انتقالي أو قيادة بديلة يمكن أن يخلق فراغا كبيرا سيفتح الباب لسيناريوهات لا يريد أن يتعامل معها أحد في الإقليم.
المجلس الجديد الذي يضم في عضويته 190 شخصا يمثل جميع الاتجاهات السورية، فمن الإخوان المسلمين إلى جماعة اعلان دمشق وممثلين عن لجان التنسيق المحلية والهيئة العامة للثورة السورية والمجلس الأعلى للثورة السورية. وعلاوة على ذلك هناك ممثلون علويون واكراد ويمكن القول أن نصف أعضاء المجلس قدموا من سوريا. وشمولية التمثيل في المجلس الوطني السوري كافية بأن تبدد المخاوف من عدم قدرة السوريين على التعامل مع فترة ما بعد الأسد، فالمجلس الوطني السوري سيكون بديلا عن الحكم تمهيدا لدمقرطة سوريا وعندها فلتفرز الصناديق أي تنظيم أو حزب أو ائتلاف للحكم.
غير أن توحيد المعارضة السورية في مجلس وطني لا يعني أنه لا توجد انقسامات على الوسيلة لتحقيق الهدف ذاته ألا وهو اسقاط نظام الأسد، وتبقى هناك أسئلة عالقة مثل: هل ستلجأ الثورة إلى السلاح وهل ستطلب مساعدة خارجية من حلف النيتو مثلا؟ هذه أسئلة ما زالت نقطة خلاف بين المكونات المختلفة للمجلس، فالقادمون من سوريا يريدون تدخلا من قبل النيتو وذلك لأسباب عديدة أهمها أنهم يدفعون ثمنا باهظا للثورة على عكس الجالسين في باريس وغيرها من العواصم الذين لا يتحمسون لتدخل أجنبي باستثناء عدد قليل منهم محسوب على واشنطن.
hbarari@gmail.com
الرأي