لا فرق كبيرا بين ما يدور على المسرح وما يحدث في الواقع .
لا يتوقف الاردنيون عن طرح الاسئلة المتعلقة بالشأن العام, رغم سيل الاخبار والمعلومات المتدفقة عبر وسائل الإعلام: "بطلنا نفهم", ما الذي يحصل عندنا? و "شو راح يصير" في المستقبل? والسؤال ذاته بطريقة ثانية تنم عن حالة القلق البالغ "وين رايحه الامور?".
الاجوبة المنمقة لنا نحن معشر الصحافيين او الساسة, عادة ما تقابل "بهزة" رأس تعكس في اغلب الاحيان حيرة السائل من غموض الاجابات.
في عمله المسرحي الأخير: "الآن فهمتكم" يختصر الفنان موسى حجازين المسافة بين عالم السياسيين الحذق والمتذاكي وعقل الناس البسطاء الطيبين, كل الاسئلة المشروعة والمحرمة يبسط اجاباتها على خشبة مسرح "الكونكورد".
هناك تستطيع ان تفهم ما يجري, موهبة حجازين تجلت في نص مسرحي لاكثر الكتاب قربا واحساسا بالناس, الزميل المبدع احمد حسن الزعبي, ولمخرج متمرس من الناس ايضا, محمد الضمور, والى جانب موسى حجازين ايقونة الكوميديا الاردنية فرقة من الشبان والشابات الرائعين بعضهم يصعد على خشبة المسرح للمرة الاولى.
نص الزعبي يبتعد عن الفذلكات الفنية, يمُسك بالقضايا الحقيقية للناس ويلامس الخطوط الحمراء, ما يهمس به الناس في بيوتهم يقال على الملأ, كل ما يحرق قلوبهم من فساد وتعد على المال العام يصرخ فيه حجازين على المسرح بالاسماء الصريحة, وان لم يستطع بالكلام يلجأ الى لغة الاشارة.
"الآن فهمتكم" عمل مسرحي يستوحي ثورة الربيع العربي و يرصد تجلياتها الاردنية, لا فرق كبيرا بين العمل المسرحي وما يجري على الارض كل يوم, وكأن احدا لا يريد ان يفهم.
يسخر حجازين من خطاب السلطة ومحاولاتها للتحايل على مطالب الناس وحلولها الترقيعية لمشاكلهم, يصرخ في وجه المسؤولين بعد ان سايرهم زمنا طويلا, يتوسل اليهم من اجل الاصلاح, وينتحب بكاء خوفا من ان يفوتنا القطار.
حجازين الغائب عن المسرح منذ خمس سنوات تقريبا يعود بفضل نص ملهم للزعبي, يطوع فيه اللهجة الشعبية "الكركية على وجه الخصوص" ومفرداتها التي اوشكت على الاندثار ليحاكي اخطر المواضيع واكثرها حساسية. وبعيدا عن الخطاب الجامد والنصوص المعلبة يلتقط حجازين بروحه الكوميدية التلقائية هواجس الناس وهمومهم ومشاعرهم تجاه الظلم والظالمين ويحولها الى نكتة تبكي القلب, ويجعل من الفاسدين وحماتهم مسخرة لجمهور الحاضرين في المسرح.
موسى حجازين عاد الى المسرح بعد غياب, لكنه ما زال مبعدا عن شاشة التلفزيون الاردني التي قدمته للجمهور العريض, فالشاشة الوطنية - كما يسمونها تحببا - لم تعد معنية بالمبدعين الاردنيين وانتاجهم ومكتفية بـ "رمضان معنا احلى" وفضائحه.
ليس مهما هذا الآن, المهم ان الفنان موسى حجازين عاد الينا من جديد في عمل مسرحي جريء ورشيق. ساعتان فقط وتفهم كل شيء.
fahed.khitan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)