شهد هذا العام تطورين اقتصاديين سلبيين مهمين, الاول متعلق بتراجع النمو الاقتصادي والذي هو امتداد لمسلسل التراجع منذ نهاية عام ,2008 والثاني سياسة حكومة البخيت التي تواجه ازمة ثقع مع مجتمع رجال الاعمال, على اعتبار ان اولوياتها سياسية اكثر منها اقتصادية.
التطوران السابقان ساهما سلبا في احداث اختلالات جسيمة في الاقتصاد الوطني الذي لم يتجاوز النمو باكثر من 2.3 بالمئة من الناتج خلال الربع الثاني, وهذا الامر ادى نتيجة غياب الرؤية الاقتصادية والخطط التنموية الى تنامي غير مسبوق في عجز الموازنة الذي ارتفع من 1.16 مليار دينار الى اكثر من ملياري دينار لولا سخاء السعودية التي قدمت للخزينة منحا طارئة بقيمة 1.4 مليار دولار, ورغم ذلك لم تستفد الحكومة من تلك الاموال في ضبط العجز بل واصلت سياسة الانفاق العشوائي واتبعت نظام الاعطيات بطرق غير مباشرة.
الامر لم ينته عند هذه المسألة بل تطور الوضع الى هيكل المديونية العامة الذي تجاوز سقف قانون الدين العام والمحدد بنسبة 60 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وقد وصلت نسبة الدين فعليا حوالي 65 بالمئة من الناتج المحلي, في حين بلغ بالقيمة المطلقة ما يناهز ال¯13 مليار دينار.
قد يقول قائل ان الاحداث التي تمر بها المنطقة اثرت سلبا على الاداء الاقتصادي للمملكة, والواقع ان الاقتصاد الاردني سرعان ما يستفيد من حالات الفوضى التي قد تحدث بالجوار, فقد كانت فرصة كبيرة امام الحكومة لتعظيم الاستفادة من زيادة اعداد السياح والتي تتراجع في النصف الاول باكثر من عشرة بالمئة.
ولم تقم الحكومة بواجبها في جذب الاستثمارات للمملكة , فالسلوك الحكومي كان منفرا تجاه القطاع الخاص العربي والغوغائية التي اتبعت في مكافحة الفساد والتي ادت الى تخوف رجال الاعمال وساهمت في احجام مجتمع رجال الاعمال والمستثمرين عن القدوم للمملكة, والانجاز الوحيد الذين انخرطوا به على اعتبار انه استثمار هو مجموعة انتحلت اسم احدى الشركات الخليجية وقد حاولت شراء اسهم احد البنوك لبيعها لاحد المالكين بعد ان كانت اشبعت الاعلام حديثا عن مصانعها واستثماراتها التي كانت تزمع اقامتها في الاردن, طبعا كله كلام في كلام, ولا نتعجب اذا اكتشفنا ان نسبة تراجع التدفقات الاستثمارية في المملكة خلال النصف الاول تجاوزت ال¯ 58 بالمئة.
الحكومة لا تقوم باي شيء اقتصادي سوى الاجراءات المسيئة للاستثمار مثل اقالة محافظ البنك المركزي باسلوب مهين لهيبة الدولة وللوظيفة العامة, وهو امر اعطى انطباعات سلبية للمستثمرين ورجال الاعمال الذين انزعجوا من قرارات البخيت خاصة وان السياسة النقدية بعد ازمة الدينار سنة 1989 طالما حظيت بسمة الاستقرار.
المقلق في المشهد الاقتصادي الاردني اليوم ليس غياب البرامج التنموية, او اعتماد الاقتصاد على المعونات الخارجية, انما غياب الادوات الرسمية القادرة على خلق التحفيز والمبادرات الانتاجية التي تساهم في زيادة تأهيل الاردنيين نحو الانخراط بسوق العمل من جهة, ومن جهة اخرى ازالة العقبات امام القطاع الخاص للانطلاق.
الاقتصاد الوطني بحاجة الى روح جديدة في ادارته تعطي دلائل ايجابية للفعاليات الاقتصادية سواء في الداخل او في الخارج.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)