الملك والحريات الصحفية والاخوان ومسيرة الإصلاح
محمد حسن التل
02-10-2011 03:50 AM
من يجرؤ على التزوير؟!!
رددنا في "الدستور"، لمرات عديدة، وسنظل نردد، أن الحرية الصحفية تقابلها مسؤولية، والحق في المعلومة، يقابله واجب كيفية التعامل معها، فالعمل الصحفي لصاحبه، كمن يمشي على حدّ السيف، إذا لم يحسن التعامل مع الموقف الدقيق، فإما أن يجرح نفسه، أو يؤذي غيره، أو كذلك الجندي، الذي عبث بسلاحه، فآذى نفسه والآخرين.
والحقيقة، أن سقف الانفتاح في الحريات الصحفية، الذي وفره جلالة الملك، والذي ربما أصبح يضاهي بعض الديمقراطيات الغربية، يحتم علينا أن نتعامل مع هذا الوضع، كصحفيين وإعلاميين، بروح المسؤولية، والشعور بثقلها. والملك هو الضامن الفعلي للحريات، وما حصل مساء الخميس الماضي، بما يخص جلسة مجلس الاعيان، حول المادة 23 من قانون مكافحة الفساد، أكبر دليل على ذلك، وحديثه صباح الجمعة، للمكتبين الدائمين لـ"الأعيان والنواب" حول الحريات الصحفية، وضمانته لها.
ولله الحمد، أن الجسم الصحفي -بإطاره العام- سلوكه يرتقي إلى قدسية هذه المهمة، باستثناء بعض التجاوزات، هنا أو هناك، وهذا يحتم على الأسرة الصحفية، وفي مقدمتها الزملاء نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين، أن يكونوا مبادرين بالتشريعات والإجراءات، التي تضمن التغلب على هذه التجاوزات، وحماية المهنة والمجتمع منها، والتي للأسف يحكم الناس، في كثير من الأحيان، على أداء الأسرة الصحفية في الأردن، من خلال هذه التجاوزات.
يجب أن نبادر فوراً وبدون تأخير، إلى اقتراح تشريع، يكون محل إجماع كل الصحفيين والإعلاميين، لوضعه أمام أصحاب القرار، حتى لا نبقي الباب مفتوحاً بين فينة وأخرى، إلى محاولة فرض قانون، لا ترضى عنه الأسرة الصحفية، وتعتبره تضييقاً على مهمتها، كما علينا أن لا ننسى موضوع التدريب، الذي نتحدث عنه منذ سنوات، دون أن نرى شيئاً على الطاولة.
والتدريب هنا، لا نعني به ما يفهمه البعض المفاهيم الاولية للعمل الصحفي، ولكننا نعني كيفية التعامل مع المعلومة والحصول عليها، وتقرير ان نشر هذه المعلومة يفيد المجتمع أم يؤذيه، هنا لبّ القضية، والباقي عند نقابة الصحفيين. خصوصاًَ أننا كصحفيين، جزء من منظومة المجتمع الكلية، وأننا أساس في المطالبة، بالمضي سريعاً، بعملية الإصلاح، التي جاءت التعديلات الدستورية كقاعدة ارتكاز لها. والتي قال عنها جلالة الملك أمس الأول، أنها لن تكون نهاية المطاف في المسار الإصلاحي، فالإصلاح عملية تراكمية مستمرة، حسب تطور المجتمعات، وجاءت عملية مراجعة الدستور، النقطة الأهم في مسيرة هذا الإصلاح، والتي بدأت للحق، منذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، فهو أول من نادى بإصلاح مؤسسات الدولة، دون استثناء، طوال السنوات الماضية، للوصول إلى الهدف المنشود، وهو ضمان مستقبل أفضل للأردنيين.
ومراجعة الدستور، جاءت لتؤكد نية الحكم الصادقة في هذا الاتجاه، فبعض الذين كانوا يطالبون قبل شهور، بالعودة إلى دستور 1952، كانوا يظنون أنهم يضعون العقدة بالمنشار، على أساس أنه لا يمكن لمؤسسة الحكم، أن تقدم على فتح الدستور ومناقشته، ولكن صاحب القرار، سبق الجميع ووضع الدستور -وما أدراك ما الدستور- على طاولة النقاش والإصلاح، دون قيد أو شرط.
إننا إذا أمعنا النظر في المفاصل، التي تجاوزناها خلال الشهور الماضية، نجد أننا في الأردن، قطعنا أشواطاً طويلة، في ملفات الإصلاح على المستوى التشريعي، الذي يمثل القاعدة الصلبة، لأي عملية تطوير وإصلاح، رغم الأصوات، التي ما زالت تشكك في النوايا أو تثبط من العزائم، حتى ونحن على أبواب استحقاق وطني كبير، وهو الانتخابات البلدية المقبلة، التي ستشكل امتحاناً كبيراً لنية الدولة، بتنفيذ الوعود بشفافية ونزاهة هذه الانتخابات، والتي ستكون الخطوة الأولى والأساسية، في مصداقية مسيرة الديمقراطية برمتها،وامتحان اولي لنزاهة الانتخابات النيابية المقبلة، لذلك لا بدّ لكل الأردنيين، أن يشاركوا في هذه العملية، حتى يحكموا على هذا الامتحان من الداخل.
نقول إن الحراك الإصلاحي، الذي تشهده البلاد، يتطلب من الجميع المشاركة، لأن المشاركة، تدفع إلى مزيد من المكتسبات للناس، وسياسة الحرد وفرض الشروط، لا تخدم صاحبها ولا الناس بشكل عام. ونحن هنا نخاطب شيوخ الحركة الإسلامية، بأن يعيدوا حساباتهم بموضوع المقاطعة لكل شيء، لأنهم يمثلون بحركتهم وجماعتهم، جزءاً هاماً من العملية السياسية والشعبية في الأردن، ولا يجوز أن يحرموا الحركة السياسية، الاهم في الأردن، من المشاركة في التغيير المنشود في البلاد، والذي انطلقت مسيرته منذ زمن،
ونطالبهم كمحبين، أن ينزلوا عن الشجرة وينظروا إلى الجزء الملآن من الكأس، ويكونوا جزءاً من العملية الإصلاحية، ولا يحرموا الوطن من خبراتهم المتراكمة، في اللعبة السياسية، فما دام الباب مفتوحاً، من خلال مجلس نواب الأمة، لضبط إيقاع كافة جوانب العملية السياسية،وحتى الانتخابات البلدية الي تمس حياة المواطن اليومية؛ لماذا يبقون خارج هذه الأبواب، وهم يرون أن الأمور تتسارع، حتى بدونهم.
وإذا كان هاجسهم التزوير، فإن هذا الموضوع، قد أصبح خلف الزمن، لأن الحراك في الشارع العربي، لم يعد يسمح لأي حكومة، أن تتلاعب بإرادة شعبها، وأن عين الرأي العام في الأردن، محدّقة ومفتوحة، على كل صغيرة وكبيرة، ولن يجرؤ أي مسؤول، أن يعبث بإرادة الشعب، خصوصاً بوجود ارادة قوية من رأس الهرم في الدولة بضرورة أن تكون الانتخابات في الأردن نموذجاً يحتذى، وأن ما ستجمعه صناديق الانتخابات، سيكون هو الحسم والفيصل، بين كل الأطراف، لذلك، من المحزن أن تبقى الحركة الإسلامية -وهي الحزب الاهم على الساحة الأردنية- خارج أي سباق. فالوطن ومصلحة الناس، اكبر من كل الحسابات.
(الدستور)