الاسلاميون : رسائل «معلقة» بانتظار الردود .. ! * حسين الرواشدة
حسين الرواشدة
01-10-2011 06:16 AM
حين سألت بعض القيادات في حركة مجتمع «السلم» في الجزائر عن جدوى مشاركتهم في الحكومة، وفي السياسة عموما، ذكروا لي بعض الايجابيات التي حققوها على صعيد الحركة، خذ مثلاً هذه الجماهير التي يحشدونها في مؤتمراتهم بلا ممنوعات «حكومية» ما كان لها ان تخرج لولا انهم اصبحوا جزءا من «اللعبة السياسية»، وخذ مثلا الحرية التي يتمتعون بها لنشر «افكارهم» وتوسيع نفوذهم داخل المجتمع، وخذ ثالثا «الامتيازات» التي حصلوا عليها، سواء في «التوظيف» او «الخطابة» او في التأثير ببعض المقررات او في تجاوز «الحصار» الذي كان مفروضا على «الاسلاميين» لمجرد انهم «اسلاميون» ومتهمون دائما بالتطرف.
في المقابل، ثمة سلبيات بالتأكيد منها ما حدث من انشقاقات داخل الحركة بسبب الاختلاف على جدوى المشاركة، ومنها ما اصاب الحركة من انحسار في التأييد الشعبي، ومنها محدودية قدرتهم على التأثير في مجريات «السياسة» بحيث وجدوا انفسهم مضطرين لقبول مقررات لا تحظى بموافقتهم ولا تتماشى مع توجهاتهم.
رئيس الحركة قال: نحن نشارك في الحكومة والبرلمان، لكننا لا نشارك في الحكم، ونحن اتخذنا لاضطرارات المشاركة بعد ان خرجنا من تجربة مرة دفع الجزائريون كلهم ثمنها باهظاً من «دمهم» وحريتهم، ونحن ندرك اننا «نخسر» احياناً من رصيدنا الشعبي، ولكننا لا نريد ان نقف متفرجين فيما نستطيع ان نؤثر ولو قليلا في تصحيح «القرار» بما يخدم الناس في مجتمعنا.
المقارنة بين تجربة «الاسلاميين» في الجزائر والاسلاميين في بلادنا قد تبدو مختلفة، لكنه اختلاف في الدرجة لا في النوع، فالحركتان دخلتا المشاركة السياسية، وخطهما ضد العنف والتطرف واحد، وموقفهما من «الحكم» يبدو متقارباً، لكن يبقى للاسلاميين في الاردن خصوصيات اخرى، فهم جزء من مكونات «الدولة الاردنية» منذ قيامها، ولهم مواقف تاريخية تجاه الحكم في ادق المراحل والازمات، وقد نأوا بأنفسهم عن دخول الحكومات (باستثناء حكومة واحدة) وشاركوا في معظم الانتخابات البرلمانية (باستثناء دورتين)، وفي المقابل وجدوا انفسهم بعد هذه التجربة الطويلة هدفاً للاقصاء من قبل بعض الحكومات، وتعرضوا لسلة من «المضايقات» ودفعوا ثمن «مواقفهم» السياسية اكثر من غيرهم.
الآن، يقف «الاسلاميون» امام مرحلة جديدة مختلفة تماماً عما سبق، فقد حسموا امرهم باتجاه «العمل السياسي» بعد ان زاوجوا بينه وبين الدعوة، وحددوا «استراتيجيتهم» تجاه المشاركة والاصلاح وتداول السلطة..الخ، واعتقد انهم انتهوا الى «خيارات» محسوبة بدقة، اهمها ان حضورهم السياسي مرتبط بتحسين البيئة السياسية، وهذا لا يتحقق الا بوجود «معادلة» سياسية تسمح لهم بالمشاركة التي تعبر عن وزنهم السياسي الحقيقي في المجتمع، وتضمن لهم التأثير في القرار.
في غياب ذلك، كما اتوقع، فان مشاركة الاسلاميين او مقاطعتهم، لن تؤثر في حضورهم داخل المجتمع، لأن «المشاركة» بلا تأثير تعني عودتهم الى «مربع» التجربة التي لم يحصدوا منها شيئاً، كما ان «المقاطعة» وان افقدتهم بعض «الامتيازات» ستساعدهم في الحفاظ على وحدتهم الداخلية وسوف تزيد من رصيدهم الشعبي.
في هذا الاطار، يمكن فهم «قرار» تعليق الاخوان للمشاركة في الانتخابات البلدية، ويمكن قراءة خياراتهم القادمة تجاه العملية السياسية في مرحلة «الاصلاح» الموعود، لكن من المفترض ان تخضع هذه الحسابات لدى مطبخ القرار في بلادنا لقراءات معمقة، لأن اي قطيعة بين الاسلاميين والدولة ستفضي الى انتاج «حياة سياسية» ناقصة، واصلاح مشكوك فيه، كما ان من المفترض ألا يظل «الاسلاميون» واقفين في مربع «التعليق» وألا يكتفوا بارسال الرسائل، لأن دخولهم الى «السياسة» كخيار يحتم عليها البحث عن مضامين وادوات جديدة «للتدافع» والحركة والمناورة، وتحسين الظروف والوصول الى المشتركات وبناء «المصالح» المتبادلة.. واعتقد ان هذا ما يفتقده الاسلاميون حتى الآن.
يبقى ان «الرسائل» التي يعيشها الاسلاميون ستظل «معلقة» بانتظار الردود الرسمية.
(الدستور)