المادة 23 .. العودة الى سياسة حافة الهاوية
فهد الخيطان
01-10-2011 05:53 AM
سحب فتيل الأزمة لم يجنبنا خسائر التأزيم .
بعد سبعة اشهر من تحولات " الربيع العربي " وتداعياته الداخلية صار الاعتقاد بأن مؤسسات الدولة طورت قدرتها على التنبؤ بالازمات وتجنب حدوثها قبل وقوعها, وقد نجحت بالفعل في تجاوز مطبات عديدة , لكن في الموقف من تعديلات قانون هيئة مكافحة الفساد بدا وكأننا لم نتعلم شيئا من تجاربنا السابقة .
ركبت الحكومة رأسها وصممت على اعادة مشروع القانون الى البرلمان بعد اسبوعين على سحبه . كانت بوادر الازمة ظاهرة ولم ينصت احد الى تحذيرات العقلاء من مغبة الاصرار على تمرير التعديلات, ولان الاغلبية النيابية كانت تعارض اضافة المادة 23 استخدمت الحكومة كل وسائل الضغط الممكنة لاجبار النواب على تغيير موقفهم , ورغم الوقفة الشجاعة لنحو اربعين نائبا الا ان التدخلات الامنية والحكومية أتت أكُلها.
مجلس الاعيان تعرض هو الاخر لضغوط شديدة لاقرار التعديل قبل فض الدورة الاستثنائية رغم معارضة نصف اعضائه تقريبا للمادة 23 واضطرت رئاسة المجلس الى الدعوة لجلسة مساء الخميس الماضي رغم ما شاب الدعوة من مخالفة لنظام المجلس الداخلي الذي يقضي بابلاغ الاعضاء بالجلسة قبل 24 ساعة من موعدها .
في الاثناء كانت الازمة تتفاعل في الاوساط الصحافية والسياسية وبلغت ذروتها بقرار مجلس نقابة الصحافيين الاستقالة في حال اقرار الاعيان القانون . شكل موقف " الصحافيين " الشجاع مفاجأة غير سارة لأوساط في الدولة دفعها الى مراجعة موقفها في اللحظة الاخيرة والقبول بنصيحة الكثيرين تأجيل جلسة المجلس وترحيل مشروع القانون الى الدورة العادية الثانية للبرلمان .
السؤال الذي تطرحه تطورات الايام الاخيرة هو : لماذا تصر الحكومة على اعتماد سياسة حافة الهاوية من دون ان تقدر النتائج المترتبة على هكذا مغامرة ?
ترحيل التعديلات الى الدورة البرلمانية المقبلة نزع فتيل الازمة, لكن تأملوا تداعيات ما حصل :
عودة اجواء التأزيم الى الشارع بعد تراجع ملحوظ في الحراك الشعبي .
التشكيك الواسع بجدية الدولة في مكافحة الفساد وظهورها بمظهر الحامي للفساد والفاسدين .
الحط من مكانة السلطة التشريعية وتكريس الاتهامات الشعبية لها بوصفها " دمية " في يد الحكومة . انه ورغم غضبنا من موقف النواب الذين صوتوا لصالح المادة 23 اشعر بالتعاطف معهم , فقد تعرضوا لموقف محرج ولا شك انهم يشعرون بالندم اليوم بعد ان تخلت عنهم الحكومة واستجابت لضغوط الاعيان ونقابة الصحافيين بتعطيل عملية اقرار القانون .
كما اظهرت التطورات الاخيرة عودة الدولة وبقوة الى العقلية القديمة في ادارة الصراع التي تعتمد سياسة التدخل الفج في عمل السلطات وتجاهل المزاج الشعبي العام والاصرار على فرض ارادتها بالقوة لا بالاقناع والحوار .
والمفارقة في ذلك كله ان الدولة لجأت الى هذا النهج بعد ساعات قليلة من اقرار تعديلات دستورية وصفت بالتاريخية تكرس استقلال السلطات وتعيد التوازن للعلاقة بينها وتعزز دور السلطة التشريعية .
السؤال الذي اعتقدنا اننا تجاوزناه يبرز من جديد : هل نحن جادون في الاصلاح حقا ? .
fahed.khitan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)