نظمت "لجنة أحرار الطفيلة", الثلاثاء الماضي, اعتصاما أمام مستشفى الأمير زيد العسكري في الطفيلة, لتحقيق مطلبين: وقف حرق المخلفات الطبية في محارق غير مؤهلة في مناطق سكنية, واستكمال الكادر الطبي التخصصي والأجهزة الناقصة.
الجهة المعنية, الخدمات الطبية الملكية, سارعت للاجتماع مع اللجنة, واستجابت للمطلبين.
يجب أن نتذكر هنا أن للطفيلة محافظا وللمدينة بلدية ويمثلها نواب وأعيان, وفيها احزاب وجمعيات مرخصة ووجهاء, أي انها تملك كامل الجهاز البيروقراطي والمدني والسياسي التقليدي. ومع ذلك, لم ينتبه هذا الجهاز, في أي من مستوياته, إلى أن حرق النفايات الطبية يتم بطريقة غير أصولية, وأن المستشفى في الطفيلة يفتقر إلى اخصائيين في مجالات القلب والجهاز الهضمي والمسالك البولية والعظام والجراحة والباطنية والنسائية والتوليد! وتعوزه أجهزة أساسية! ولا تتوفر في صيدليته قائمة من الأدوية!
كان على الخدمات الطبية, بالطبع, أن تصحح الوضع مؤسسيا ومن تلقاء نفسها, لكن ذلك لا يعفي الجهاز الإداري والسياسي المعني من الإنتباه لمشكلات المستشفى المذكور, والسعي إلى حلها.
" لجنة أحرار الطفيلة" - كما هي اللجان الشعبية المثيلة في المحافظات - ليست مؤسسة, وإنما هي مؤسسة مضادة, ليست مرخصة ولا تقيدها قيود بيروقراطية ولا تتضمن عضويتها أية مصلحة فردية. ولذلك, فهي خلية حية مرتبطة, عضويا, بمجتمعها واحتياجاته. لذلك, فإنها تتمتع, تلقائيا, بالإنتباه والإهتمام وتملك إرادة المبادرة, ولديها هيبتها ووسيلتها في الضغط: الإعتصام.
لكن علينا, هنا, ملاحظة أن حيوية اللجنة وقوتها تأتيان من ممارستها للعمل السياسي الوطني, وأن مطالبها الصغيرة ترتبط بمطالبها الكبيرة, وأنها لجنة محلية من حيث التنظيم, لكنها تنتسب, سياسيا, إلى حراك شعبي سياسي يمتد على مساحة الوطن. ولذلك, فإن اعتصام اللجنة أمام مستشفى الأمير زيد مشحون بالظلال السياسية, ومدعوم, موضوعيا, بقوى الحراك الوطني.
هنا, أقف لأنصف لجنة ذيبان التي كانت أول مَن رسم هذا الخط من ربط المطالب المحلية بالحراك الوطني. وقد نال نشطاؤها, بسبب ذلك, الكثير من الإنتقادات التي تبددت لاحقا لدى تبلور الرؤية. فحركيّة اللجان الشعبية فيها جدل معارضة الدولة في السياسات الكبرى والتفاوض مع أجهزتها في المطالب المحلية.
وما لا يستطيع بعض المعارضين التقليديين فهمه أن الحراك الشعبي الأردني ليس مناوئا للدولة, بل هو يريد استعادتها من الفئات الكمبرادورية والمتنفذين وامتلاكها في سياق وطني اجتماعي.
نحن في مطلع فترة انتخابات بلدية ونيابية سوف تنشئ ديموقراطية من فوق. ومن دون التشكيك بالأشخاص الذين سيتولون المناصب التمثيلية, يجب القول أن المؤسسات التقليدية البيروقراطية لا تسدّ مسدّ اللجان الشعبية الحرة التي يحتاجها المجتمع الأردني, وينبغي لها أن تنتشر وتبقى في ما أسميه بعملية "الديمقراطية المضادة", الديمقراطية الشغّالة من تحت, الممارسَة من خارج المؤسسات المدنية والسياسية التقليدية ( كالبلدية والبرلمان) ومن قبل تجمعات شعبية محلية حرة وطوعية ويتمحور نظامها الداخلي غير المكتوب حول نقطة استقطاب الحساسية المجتمعية, وعضويتها وقيادتها مفتوحة حسب النشاط والفعالية والإنتباه, ووسائلها مباشرة تتمثل في الإعتصام للتعبير عن الموقف الشعبي من القضايا الكبرى: رفض الوطن البديل, ومواجهة الفساد, والعدالة الاجتماعية, والحكم الدستوري وسيادة القانون ...الخ والإنتباه للمطالب المجتمعية المحلية والسعي لتحقيقها.
وطننا وكياننا ومجتمعنا في أيدينا.. وسنصنع حياتنا ومصيرنا بأنفسنا! هذه هي رسالة اللجان الشعبية على مستوى المحافظات والمدن والبلدات والعشائر. وهي رسالة المستقبل.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)