المادة 23 ليست فقط حريات إعلامية
باتر محمد وردم
01-10-2011 05:48 AM
حسنا فعل مجلس الأعيان في تأجيل مناقشة المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد، وذلك بهدف نزع فتيل القنبلة السياسية التي زرعت في هذا القانون والتي اثارت غضبا من كافة الأوساط الإعلامية والقوى السياسية في الأردن.
تأجيل مناقشة المادة 23، وما تبعها من إرادة ملكية بفض الدورة الإستثنائية وإرجاء الدورة العادية إلى نهاية الشهر الحالي، يعني عمليا أن القانون قد اصبح مجمدا وأنه قد يخضع لعملية سحب من مجلس الأمة من قبل الحكومة القادمة وهذا ما سيكون الحل الأمثل تجنبا لأزمة سياسية لا داع لها.
هذا النص المتفجر في القانون يعكس نظرة تضيق بالمساءلة وتحاول أن تمنع مأسسة مكافحة الفساد. من المهم القول هنا بأن القضية ليست متعلقة بحرية الإعلام فقط، بل أيضا بحق اي موظف في القطاع العام يمكن أن يكتشف حالة فساد في مؤسسته ويحاول إيصالها إلى التحقيق والعدالة حيث يمكن أن يتعرض هذا الموظف ليس فقط للنقل التعسفي والعقوبات الإدارية بل لدفع مدخرات حياته والاستدانة في حال لم يصل التحقيق إلى نهايته بالطرق السليمة. كل هذا يعني أن اي شخص سيفكر مئات المرات قبل أن يفتح ملفا للفساد في مؤسسة عامة وربما يقرر السكوت أو حتى الانضمام لحفلة الرقص التي يقيمها رب المؤسسة الفاسد والضارب بالدف!
المشكلة الاخرى تتعلق بالنص نفسه، فهل يعقل في نص قانوني أن تستخدم مصطلحات مثل «دون وجه حق»؟ ما هي المعايير التي سيتم استخدامها لتحديد ما إذا كانت إدعاءات الفساد «دون وجه حق»؟ هل يعني ذلك قرارا نهائيا لمحكمة التمييز مثلا أو استخدام وسائل الترغيب والترهيب لإنهاء التحقيق أو حتى إخفاء الملفات الأخرى التي قد تدعم التحقيق في حالة الفساد. ليس من المعقول وضع مثل هذا النص الإنشائي المعمم في نص قانون يتعلق بالعقوبات وينص على تغريم شخص مبلغا كبيرا كهذا. من الواضح أنه لم تكن هنالك دراسة قانونية حقيقية للنص المقترح والذي بدت الروح الانتقامية واضحة في صياغته.
والآن من الضروري أن نتكلم بصراحة فيما يتعلق بدور الإعلام ومصداقيته. صحيح أننا كلنا غاضبون من هذا القانون والذي يتضمن أداة ردع وتخويف ضد التغطية الإعلامية لحالات الفساد أو كشفها، ولكن من المهم القول وبصراحة أن انحراف بعض وسائل الإعلام عن السياق الصحيح في الحديث عن الفساد قد اسهم في مثل هذا التحرك. نعم لقد حدثت تجاوزات إعلامية، وتمت ممارسة حالات من التحريض ضد شخصيات معينة إما نتيجة لمحاولات ابتزاز لهذه الشخصيات أو لتصفية حسابات سياسية معها ولكن هذا لا يعني معاقبة كافة المنظومة الإعلامية في الأردن.
القضاء كفيل بإعادة الحق إلى إصحابه، وقد قام بعض الوزراء والشخصيات السياسية برفع قضايا ضد إعلاميين قاموا بنشر معلومات غير صحيحة عنهم في وسائل إعلام مختلفة وبعضهم كسب القضايا ضمن منظومة التشريعات الأردنية الحالية وهذا هو السبيل الأمثل لمواجهة حالات اغتيال الشخصية والتي يجب ألا ننكر وجودها.
مكافحة الفساد ليست تحريضا إعلاميا، ولا «مظاهرات» أمام منازل الناس المتهمين بالفساد، ولا قوانين تردع محاولات كشف حقائق الفساد بل هو منظومة تشريعية أخلاقية تعني ضرورة المساءلة والمحاسبة مع توفير الحماية التامة للمشتكي من جهة، وللمشتكى عليه من جهة أخرى في حال ثبت عدم وجود أدلة ضده. يمكن للمشتكى ضده أن يستخدم القضاء لتحصيل حقه في حال ثبت عدم ضلوعه بالفساد، أو يمكن للقانون أن يتضمن نصا يجبر المشتكي على تقديم اعتذار علني في حال لم يتم إثبات حالة الفساد، وستكون النتيجة أكثر وقعا على الجميع.
batirw@yahoo.com
(الدستور)