هذا المثل الشعبي الحكيم, يمثّل عصارة تجربة أجيال متتابعة عبر مسافة واسعة من الزمن, تدلّ على خلاصة التجربة في التعامل مع المتناقضات عامّة, سواءً على الصعيد الطبيعي الخلقي الفطري, أو على الصعيد الاجتماعي, أو على الصعيد السياسي كذلك, فهل يمكن ترجمة هذا المثل ليكون نظرة سياسية في التعامل مع الفرقاء المختلفين, أو مع الآراء المتعارضة التي تعيش في إطار واحد, أو مضطرة للتعايش في بيئة مشتركة, بغض النظر عن الرضا أو الحب المتبادل.
عندما خلق الله الخلق, خلقهم مختلفين ومتباينين, وينطبق هذا الاختلاف والتباين على الزروع والثمار وعلى الجبال والأراضي, وعلى الحيوان والإنسان كذلك, ولو أراد الله لجعل الناس أمّة واحدة متطابقة, وأن يكون الأفراد نسخاً مكررة, في الشكل والعقل والمزاج, ولكانت الحياة على هذا النحو الممل من الروتين الآلي الرتيب, ولكنّ الله شاء أن يخلق الناس على هذا النحو الواسع من الاختلاف والتباين, حيث جعل كلّ إنسان عالماً قائماً بذاته, متميزاً بعقله وقدراته ومزاجه وطبائعه, وإن كان هناك بعض التشابه وبعض التقارب بين أصناف وقطاعات من البشر. التحدي أمام البشر أن يتعايشوا مع هذا الاختلاف بايجابية, وأن يكون الاختلاف مصدراً لثراء الحياة وتنوعها وتعدد مذاقاتها, وتلون إبداعاتها وتكامل إنتاجها على نحو متجدد يقوم على التسابق والتنافس المحمود الذي يؤدي إلى تجدد الحياة وتجدد المتعة بالإنجاز, وتطور الآليات والأدوات والوسائل نحو مزيد من تحقيق الجمال الإنساني العميق الذي لا نهاية له ولا حدود ولا قيود.
ومن هنا فإنّ منهج الإصلاح يجب أن يبنى على نظرية (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم), بمعنى آخر أنّ الإصلاح يحتاج إلى توافق الأطراف والمكونات التي تشكل المجتمع الواحد, والتوافق يقتضي بالضرورة أولاً الرضا بوجود الآخر والاعتراف بحقه بالحياة والمشاركة, وحقّه بالتمتع بالحريّة التي لا تؤدي إلى إيذاء الآخرين.
ومن هنا, فنحن أمام فلسفتين مختلفتين إلى حدّ التناقض فالذئب وفريقه إذا أمعنوا في إفناء قطعان الغنم إلى حد الفساد, فسوف تفنى الغنم وفناء الغنم سوف يؤدي إلى فناء الذئاب بعد ذلك قطعاً.
وفلسفة رعاة الغنم إذا أرادوا كذلك إفناء الذئاب, وموتها والتخلص منها بالكامل, سوف يؤدي إلى خلل في توازن الطبيعة; لأنّ الذئاب تقوم بدور طبيعي ضروري مثل التخلص من الحيوانات النافقة التي تجلب الأمراض, والتخلص من العناصر المريضة والضعيفة, ممّا يؤدي بالنهاية إلى سلامة الطبيعة وقوة القطيع, ولذلك توصل الناس بحكم خبرتهم الغنية الطويلة الأمد التي أثمرت "حكمة" إنسانية بالغة أنّه لا بدّ لمن يريد الحياة التعايش مع الآخر, والتعايش مع الاختلاف, حتى لو وصل الاختلاف إلى حدّ التناقض.
ولذلك نحن في معركة الإصلاح, لا طريق إلى التخلص من الآخر, وينبغي أن لا يطرأ على تفكير أحد إفناء الآخر وإنهاؤه من الوجود; لأنّ هذا النهج يؤدي إلى مزيد من الاختلاف ومزيد من الحقد, ومزيد من الجفاء ومزيد من القطيعة, ومزيد من الثأر, والثأر المتبادل الذي لا ينتهي, ويمكن الاستفادة من التجربة العراقية في هذا المجال, عندما سُمح للاختلاف الغرائزي أن ينطلق بلا حدود في محاربة الآخر وانتهاجه منهج التخلص القائم على الإفناء.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)