قيل أن وزيرة (حقوق الإنسان) في العراق وجدان ميخائيل قد وجّهت انتقادات الى النظام المتّبع في إدارة السجون هناك لافتقاره للسجلات والوثائق التي تثبت هوية المعتقلين ولافتقار المعتقلات والزنازين للخدمات الطبّية كذلك.لا ندري، ما حاجة الوثائق الصغرى إذا ما ضاعت الهوية الكبرى؟ ما حاجة شهادات الميلاد إذا ما مات الوالد والمولود والتاريخ، وأخيط الموت الأسود فوق ردن المكان.
ما هذا البطر المزيّف؟ وهل هناك لزوم للخدمات الطبية داخل السجون؟. لا أحد يتوّجع هناك، فقط يموتون بهدوء، أو ينسون أرواحهم فوق أسرتّهم مع نظّاراتهم الطبية ويغادرون.
وهل يوجد إنسان أصلاً حتى يكون له حقوق ووزارة تعنى بشؤونه؟ لقد تحوّل الشعب العراقي بأكمله الى سيخ شاورما،لا يملك خيار التوقف عن الدوران أو الذوبان، فقط يتضاءل، وكلّما نضج بنار الحرب الأمريكية، اقتصّه سيف الحقد الفارسي..
عن أي حقوق إنسان يتكلّمون، كلما شاهدت أمّاً بحّ صوتها بسواد البكاء، أو طفلة التجأت الى جدارٍ قريب لتتفيأ من حرّ الموت..أو صبيّاً تلحف بأخبار الانفجارات وتوسّد كلام الجرائد..تنسلّ الكتابة الموجعة من أصابعي كما ينسلّ خيط القطب الجراحية..
كلما تصاعد دخان مجهول الطائفة فوق بيت أرملة أو تكيّة أو مسجد، وشيّع بعده جثمان ملفوف براية العراق. كلما احتمى طفل بثوب أمه،كلما رأيت نعشاً مكتوباً عليه وقف، بينما الموت لا يقف، ينبهر الحزن من حزني، ويمشي أمامي كظلّي الأسمر..
هذا الوطن المجبول بالغيم والرمل، المحبوك بالنخيل والمواويل، المقصّب بالعشق والعروبة ..كيف تحوّل الى رصاصة ونعش وكفن، لمجرّد أنه عربي، لمجرّد أنه عراق، لمجرّد أنه جميل؟...
كيف تحوّل الى حنفية دمٍ والى موت يلاحق الموت؟.. باب الرشيد ومعجزته، كيف كُسر قفله ورميت مفاتيحه في ماء النهر، من ذبح صهيل فَرَسَهُ، ليطعم أعاجم فُرْسِهُ؟ من صاغ من بنان الأطفال الميتين، رصاصاً حيّاً؟.. كيف نامت تفاصيل الأرض البسيطة، الأرصفة، الحوانيت، العشب البرّي، واجهات المنازل، في بلاد ما بين النهرين..ولم تمطر حجارة من سجيل!!..
لن يستمر هذان القهران المالحان - الأمريكي و الإيراني - بالجريان..سينضب حقدهما، وتحرقهما شمس التاريخ، ستعود بلاد ما بين القهرين الى بلاد ما بين النصرين.. وبلاد ما بين النهرين!!..
أسمع صهيل خيل الرشيد..
ahmedalzoubi@hotmail.com