في البدء لا بد من وضع الحقائق التالية امام من يعنيهم الامر توضيحا للصورة وتسهيلا لتشخص المشكلة التي يواجهها مستشفى الجامعة الاردنية اذا ما بقي الحال على ما هو عليه :
الحقيقة الاولى تفيد بان هذا المستشفى يقدم خدمات طبية لجميع الاردنيين من شمال الوطن الى جنوبه المستفيدين من التأمين الصحي الحكومي بمختلف درجاته اضافة الى المرضى المؤمنين عن طريق الديوان الملكي ,فإليه يتم تحويل المرضى من مختلف المراكز الطبية والمستشفيات للقيام باجراءات علاجية غير متوفرة في المحافظات ,واحيانا تكون متوفرة ولكن الثقة بمستشفى الجامعة تحمله اعباء كبيرة,ووفق ارقام العام الماضي فان المستشفى يستقبل حوالي نصف مليون مريض سنويا ,وهذا رقم هائل بلغة الطب ويحتاج الى امكانيات هائلة اولها الكوادر الطبية والعلاجات والادوية المختلفة وغرف الفحص والعمليات وعنابر المرضى وقاعات الانتظار وحتى مواقف السيارات ,وهذه الامكانيات يوفرها المستشفى معتمدا على ايراداته لو وصلت جميع هذه الايرادات في وقتها وزمنها والتزم المدينون بمواعيد السداد ,مع الأخذ بعين الاعتبار ان الخدمة الطبية هي المصدر المالي الوحيد للمستشفى ,اذ لا توجد له ميزانية خاصة تدفع من خزينة الدولة مثل المستشفيات الحكومية.
الحقيقة الاخرى ان هذا المستشفى يوظف 2500 من الكوادر الطبية والادارية وهؤلاء يعتمدون في تلقي رواتبهم نهاية الشهر على عائدات المعالجات ,والتي تقسم الى قسمين, فالنسبة العظمى 80 الى 90 % هم مرضى مؤمنون اما تأمينا حكوميا للموظفين والمتقاعدين واما معالجات بمكرمات من الديوان الملكي ,القسم الثاني معالجات مختلفة خاصة وخارجية ,فاذا كانت ميزانية المستشفى تبلغ 75 مليون دينار سنويا اذن لكم ان تتصوروا مقدار المبلغ المترتب على الحكومة والديوان الملكي ,انها بكل تأكيد فاتورة باهظة تتكبدها الدولة الاردنية بشكل عام لكنها الشريان الذي يبقي على مستشفى الجامعة رائدا في تقديم الخدمة الطبية لمئات آلاف المرضى سنويا ,وهي بالمناسبة خدمة نوعية يشهد لها ولانها كذلك يزدحم مستشفى الجامعة بالمرضى والمراجعين.
من الطبيعي ان الادوية تستهلك الجزء الاكبر من النفقات ولذلك فأن مستشفى الجامعة مدين لعدة شركات ادوية محلية بمبلغ 25 مليون دينار قيمة ادوية ومواد طبية مختلفة ,بينما تبلغ ديون المستشفى المترتبة على وزارة الصحة نفس المبلغ بالتمام والكمال اي 25 مليون دينار ,والمشكلة في التشخيص الاولي لها تكمن في ان شركات الادوية تطالب بديونها لكي تستمر بتزويد المستشفى بالادوية والمواد الطبية اللازمة بنفس الوقت الذي تعجز فيه وزارة الصحة عن تسديد ديونها لمستشفى الجامعة ,وما يحدث الآن ان بعض شركات الادوية بدأت بالتوقف عن تزويد المستشفى بالادوية ما لم يتم تسديد المبالغ المترتبة لها او بعضها على الاقل ,وما دام المستشفى لا يملك ما يوفي به ديونه فأن جرس الانذار انطلق منذ مدة معلنا عن وجود نقص في الكثير من الادوية والمعدات اللازمة والضرورية جدا لقيام الاطباء في مستشفى الجامعة بواجبهم تجاه المرضى ,وليس سرا ان ادارة المستشفى تسلمت اشعارات بتوقف توريد الادوية من بعض شركات الادوية ، فما العمل ؟
يكمن جوهر المشكلة في ان وزارة الصحة حددت سقفا ماليا عاليا للتعامل مع المستشفى ,ويبلغ هذا السقف ما بين 45 – 50 مليون دينار سنويا ,وهذا رقم كبير لا تستطيع الوزارة الالتزام به, وبنفس الوقت لا يستطيع المستشفى تحمله على شكل ديون لان مصدره المالي عندئذ سينضب ,وكخطوة اولى على طريق حل مشكلة الديون مستقبلا ربما يكون مطلوبا من وزارة الصحة تعديل السقف بحيث يتناسب مع امكانيات الطرفين,اما الغريب فعلا هو ان وزارة الصحة ترصد مبلغ 12 مليون دينار فقط اي حوالي ثلث المبلغ المحدد في السقف تقريبا مما يقتضي الامر اضافة ملحق موازنة سنوية لتعويض الفارق ومع ذلك تنعدم امكانية تسديد كامل الدين ,والحل المقترح قيام وزارة الصحة بتحديد سقف تعامل لا يتجاوزه المستشفى ,بحيث لا يكون ذلك على حساب الخدمة الطبية المقدمة للمرضى قدر الممكن ,اذ يفترض القيام بدراسة صحيحة لحجم التحويلات الى المستشفى وضبط الفوضى بهذا الصدد فكثيرة جدا هي التحويلات غير الضرورية الى مستشفى الجامعة ,وكثيرة جدا هي حالات الطوارئ التي يستقبلها مستشفى الجامعة لان مستشفى البشير مثلا بعيد ويتحمل بدوره مسؤولية كبيرة ,وبهذا الصدد فان معلومة صاعقة كفيلة بتوضيح المشهد داخل وفي محيط مستشفى الجامعة خلال ساعات النهار ,ونذكر بهذا الصدد ان عدد السيارات التي تدخل بوابة المستشفى يوميا يزيد عن عشرة آلاف سيارة ,وهذا الرقم بحد ذاته يقول الكثير ولا يحتاج الى توضيح..!
من بين الحقائق العديدة ان مستشفى الجامعة الاردنية هو مستشفى تعليمي بالاساس يدار من قبل الجامعة الاردنية ويخدم خمس كليات طبية او ذات صلة بالطب وهي, كلية الطب في الجامعة الاردنية وكلية التمريض وكلية الصيدلة وكلية علوم التاهيل وكلية طب الاسنان,ويتسع المستشفى ل 550 سريرا ويقدم حوافز حقيقية لكوادره الطبية بحيث يتمسكون بوظائفهم ولا يسعون الى هجرات خارجية من أجل العمل لتحسين احوالهم ,وفي المقابل يقدم المستشفى خدمة نوعية يفضلها المرضى ,وفلسفة الادارة تقوم على فكرة المحافظة على الاطباء والكوادر المؤهلة ولذلك تبدو فاتورة المستشفى مرتفعة مقارنة مع غيره من المستشفيات ,لكن هذا لا يبرر العودة بالخدمة الى الوراء ,وهو ما يمكن ان يحدث في حال ترك مستشفى الجامعة يواجه الدائنين ليقع ضحية المقاطعة من قبل شركات الادوية.
الحلول المقترحة محدودة وتنحصر في امرين لا ثالث لهما ,فاما ان تقوم الحكومة بمساعدة المستشفى على الوفاء بالتزاماته وتسديد الديون المترتبة عليه لشركات الادوية مباشرة ,كأن تتفق وزارة الصحة مباشرة مع شركات الادوية الدائنة بحيث لا توجه المطالبات الى المستشفى وانما الى الوزارة مباشرة ,او ان تقوم الحكومة بتسديد الديون المترتبة للمستشفى مباشرة ,خاصة وان معظم الفاتورة العلاجية تذهب في خدمة التامين الصحة الحكومي ,بخلاف هذين الحلين سوف نشهد تراجعا للخدمة الصحية التي يقدمها مستشفى الجامعة لحوالي نصف مليون مريض سنويا ,اما التراجع بحد ذاته فمصيبة بدأنا نلاحظ آثارها في معظم المستشفيات بما في ذلك القطاع الخاص الدائن هو الآخر للحكومة بملايين الدنانير مما انعكس بشكل مباشر على الخدمة الصحية المقدمة حتى للمحظيين حملة التأمين الصحي من الدرجتين الخاصة والاولى.(الرأي)