إقرار مجلس النواب للمادة (23) من قانون مكافحة الفساد, خطوة غير موفقة مطلقاً, بل إنّها تشكل ضربة قاصمة لما يسمّى المشروع الإصلاحي, ويلقي بظلال من الشك والريبة على المسيرة الإصلاحية برمّتها, ويعطي انطباعاً عامّاً لدى قطاعات كثيرة وكبيرة من الشعب الأردني أن الفساد في الأردن أصبح مؤسسياً, متجذراً وهو من أقوى المؤسسات المؤثرة في القرار الأردني; ممّا يجعل اليأس يتسلل إلى نفوس الأردنيين حول القدرة على محاربة الفساد حتى لو كانت هناك نوايا صادقة لدى بعض الجهات العليا.
تنص المادة على ما يلي: "كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص, أو ساهم في ذلك, بأي وسيلة علنية كانت أيّاً من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون, أدّى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته, عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار, ولا تزيد عن ستين ألف دينار".
نحن جميعاً ضد اتهام الناس بالباطل, وضد الإساءة إلى الشخصيات الوطنية, وضد المساس بكرامة الشرفاء, هذا ما لا خلاف عليه, وكل من يتعرض لهذا له الحق في الدفاع عن نفسه, لكن القضية هنا أنّ هذه المادة جاءت لتحصين الفاسدين, ولجم المجتمع من الحديث عن قضايا الفساد الكبيرة التي أودت بمقدرات البلاد والعباد, من دون مستمسكات قانونية, بمعنى آخر إن هذه المادة تريد أن تشرعن الفساد لتقول إسرق ما شئت بشرط أن لا تترك مستمسكاً فقط, ونسي المشرّع أنّ المجتمع والرأي العام يشكل رقابة إضافية كبيرة وفاعلة على أعمال الإدارة عدا القضاء الذي يتعامل بالأدلّة ولا يحاكم بالشبهات.
إن الشيء اللافت في هذه المادة هي الغرامة الباهظة التي لا يطيقها المواطن الأردني الذي يمثل الأغلبية, فالمواطن الأردني العادي لا يستطيع جمع هذا المبلغ منذ ولادته حتى وفاته, فكيف يكون وفراً لديه.
لماذا يتمّ إقرار هذا القانون الآن وفي هذا الوقت بالذات?
لأن ثورة النهوض العربي التي طال وهجها الأردن, جعلت الفاسدين في ذعرٍ وخوفٍ شديدين, لذلك يعمدون إلى تحصين أنفسهم وقائياً عن طريق القوانين والتشريعات من آثار ثورة الوعي واليقظة التي تجتاح المواطنين الأردنيين, وأكسبتهم بعض الجرأة على الحديث عن الفساد وجرائمه, التي أعجزت هيئة مكافحة الفساد عن متابعتها فضلاً عن معالجتها ومحاسبة الفاسدين واسترداد أموال (الغلابى).
إن هذا القانون يؤشر على الجديّة في حماية الفساد والتستر على الفاسدين, ويؤشر على عدم الجديّة الكاملة بالتوجه نحو التغيير والإصلاح الجذري الحقيقي في منهجية إدارة الدولة, وفي منهجية تشكيل الحكومات, وتمكين الشعب من ممارسة السلطة الفعلية في الاختيار والمراقبة والمحاسبة الجادّة, والقدرة على محاسبة مافيات الفساد ومعاقبتهم, واسترداد المال العام المنهوب!!.
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)