تتكون مؤشرات معظم قضايا الفساد من خلال ما يلي :
(1) الإشتباه بمصادر ثروات ضخمة لا تاريخ ولا مبرّر لها, والإنفاق الترفي من قبل مسؤولين, (2) تسريب معلومات من داخل أجهزة الدولة والشركات حول إجراءات غير قانونية وصفقات غامضة, (3) الفشل الظاهر لمشاريع كبرى (4) الهدر المالي (5) المقارنة بين معطيات متاحة تُظهر تجاوز المصالح العامة, كما هي الحال, مثلا, عند مقارنة السعر السوقي ( الأعلى) لموجودات حكومية مع السعر المعلن ( الأقل ) لبيعها في صفقة خصخصة (6) نشر ومناقشة اتفاقيات تتعارض مع مصالح الخزينة والدولة.
في كل هذه الحالات هناك معطيات وأشخاص. المعطيات ظاهرة والأشخاص معروفون. ولكن الوثائق والبينات والأسرار غير متاحة بالطبع للتحقيق الصحافي بل للتحقيق الجنائي. و من واجب المنابر الإعلامية, ومن حقها, تسليط الضوء على تلك المعطيات, ومطالبة الجهات المعنية بالتحقق منها والتحقيق مع المعنيين بها.
وتمارس الصحافة الأردنية, اقلّ القليل من واجباتها في هذا المجال, لكنها بعد إقرار المادة 23 من قانون مكافحة الفساد, ستكون مجبرة على الصمت المطبق, لأنها أضحت مهددة بغرامات تبدأ من 30 ألفا وحتى 60 ألفا تعويضا لكل فاسد عن "إغتيال شخصيته" بما في ذلك في الحالات المهنية أدناه:
(1) الاشتباه بمصادر الثروة والإنفاق الترفي ينطبق على العديد من المسؤولين المعروفة أوضاعهم المالية قبل وبعد المنصب. والإشتباه مشروع تماما. ولا يحتاج, بحد ذاته, إلى وثائق وبينات هي من صلب مهام الجهات القضائية. الإثراء المفاجىء للمسؤول ¯ العامل وغير العامل ¯ ولرجل الأعمال والمواطن, هو محل ريبة وشك واتهام. ويكون على المشتبه به, تقديم الأدلة على ان مصادر ثروته مشروعة. والأصل أن تبادر الجهات القضائية إلى التحقيق مع المعني وفقا لقانون " من أين لك هذا". وطالما أن هذا القانون غير موجود بين القوانين الأردنية, فسيظل الرأي العام يطرح السؤال, ومن واجب الصحافة أن تطرحه باسم الرأي العام.
ليست النية متوفرة لمكافحة الإثراء غير المشروع بكل صنوفه. ولو كان هناك قرار سياسي بذلك, فإن دائرة ضريبة الدخل يمكنها تنفيذ تحقيقات شاملة مع المثرين لتحصيل حقوقها. وهذا واجبها. ومن خلال تلك التحقيقات الضريبية يمكن رصد واكتشاف مصادر الإثراء المفاجىء وتحويل الملفات المشتبه بها إلى النائب العام. وهذا هو ما كنا ننتظره: قوانين وتعديلات قانونية لمكافحة الفساد وليس العكس.
(2) وفي تسريب المعلومات - حيث لا يريد الموظف أن يتحمل المسؤولية عنها - تظهر الأهمية المطلقة لدور الصحافة في تدقيقها و إبلاغ الرأي العام عنها, وتوجيه أنظار النائب العام إليها, للتحقيق في شأنها.
(3) وبالنسبة للمشاريع الكبرى الفاشلة, و(4) الهدر المالي و(5) مقارنة المعطيات في الصفقات الغامضة و(6) والإتفاقيات الضارة بحقوق الخزينة,فإن حجم تلك المشاريع والمعطيات والإتفاقيات والأرقام بشأنها, تشكل ملامح قضايا على البرلمان فتح التحقيق فيها والحصول على الوثائق والبينات حولها. وواجب الصحافة المهني والوطني, هنا, هو التطرق إلى الملفات والأسماء ونشر المعطيات والمقارنات الرقمية, ولفت إنتباه النواب إليها.
من المؤسف أن تكون نتيجة تسعة أشهر من الحراك الشعبي المطالب بمحاكمة الفاسدين, هي قانون يحصّن هؤلاء و يسمح لهم بمحاكمة النشطاء الديموقراطيين!
كان الزميل طاهر العدوان محقا باستقالته من حكومة الدكتور معروف البخيت; فقد تبيّن الآن أنها كانت عازمة فعلا على توجيه ضربة قانونية لحرية الإعلام في الكشف عن قضايا الفساد ومناقشتها, وفي تحريك الرأي العام ضد الفاسدين. لقد نجا العدوان من وصمة العار.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)