الاقتصاد الاجتماعي .. كلام في كلام
سلامه الدرعاوي
27-09-2011 03:46 AM
كثيرا ما يتحدث الرئيس عن الاقتصاد الاجتماعي باعتباره هوية حكومته علما ان معظم الطاقم الوزاري لا يعرف ما يتحدث به الرئيس على اعتبار انهم اساسا لا يؤمنون بسياسة الدعم المطلق ولم يتفاوض احد معهم على هذا التوجه.
الغريب في الامر ان اقتصادا مثل الاقتصاد الاردني الذي بات اسيرا للمنح والمساعدات الخارجية بشكل واضح وابتعد عن مرتكزات الاعتماد على الذات يحاول البعض الزج به في اشكال دعم جديدة ستسبب بلا شك ازمة خانقة للخزينة, السبب في ذلك يعود الى التشوه الحقيقي في اساليب الدعم الحكومي المتبعة.
مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليس مصطلحا جديدا, فقد أبصر النور بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة للتوفيق بين الفعالية الاقتصادية التي توفرها المنافسة وبين الحاجة إلى العدالة الاجتماعية, واعتبره البعض بمثابة رد الرأسمالية على الأثر المحرض والجاذب للدول الاشتراكية ونموذجها في تقديم الخدمات الاجتماعية المجانية.
يقوم اقتصاد السوق الاجتماعي على إطلاق حرية المنافسة ومراقبة تطور الاحتكارات, وخلق حالة من تكافؤ الفرص بين الهيئات والفعاليات الاقتصادية عبر استمرار دور الدولة في مراقبة آليات السوق والتدخل عندما يعجز الاقتصاد الحر عن تأدية مهمته بما في ذلك تسوية المشكلات الاجتماعية وتحقيق مكاسب عينية للطبقة العاملة, وكانت فكرة مجتمع الرفاه أفضل تجسيد عياني تقوم على توافق سياسي بين كافة الأطراف الفاعلة في المجتمع, من الدولة إلى أرباب العمل والشركات الكبرى إلى الأحزاب والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني.
ويمكن القول إن اقتصاد السوق الاجتماعي هو من حيث الجوهر محاولة للجمع بين قوانين الاقتصاد الحر كما عرفتها الرأسمالية وبين مبادئ تناقضها تتعلق بالجانب الاجتماعي في النظام الاشتراكي, حيث تحتل مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والضمانات الصحية والتعليمية المرتبة الأولى من سلم الاهتمامات.
وإذ يسمي البعض هذا الخيار بالليبرالية المنظمة وآخرون يرونه الرأسمالية الملطفة, يعتقد الكثيرون أنه أشبه بمحاولة لخط طريق ثالثة بين الرأسمالية والاشتراكية تتميز باستمرار حضور الدولة والقرار السياسي في صياغة ومراقبة العلاقة بين التنافس والتضامن وبين وحشية السوق والعدالة في الحياة.
لقد تنوعت أشكال الضبط الاجتماعي للسوق وتباينت بين تجربة وأخرى تبعا لسوية التطور الاقتصادي وتاليا لحدود الإمكانيات والقدرة على توجيه الإنفاق الاستثماري لتلبية الحاجات الاجتماعية, فعرفت ألمانيا حالة تفاهم بين أرباب العمل والنقابات لتقرير سوية الأجور وتخصيص أموال وفيرة للتدريب وتطوير الكفاءات المهنية, في حين شكلت السويد منافسا حقيقيا للدول الاشتراكية من حيث طابع ونوعية المكتسبات المعيشية والصحية والخدمية التي تعم المجتمع.
هذه هي مرتكزات الاقتصاد الاجتماعي, ولا احد يشاهد توجها رسميا فعليا على الارض للسير في هذا الاتجاه يتناسب مع كثرة حديث الرئيس عنه , فالمسالة بحاجة الى تحرك وليس الى كلام.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)