الذي استمع لخطاب الرئيس أوباما الذي ألقاه في الأمم المتحدة قبل أيام قليلة- وهو خطاب تماهي كثيرا مع موقف إسرائيل- وذاك الخطاب الذي ألقاه في القاهرة قبل سنتين ونصف لا يملك إلا أن يشد شعره دهشة من جراء التحول الدراماتيكي في موقف الإدارة حيال حق الفلسطينيين في التخلص من براثن الاحتلال.
في ذاك الخطاب الذي ألقي في القاهرة، قارن الرئيس أوباما بين النضال الفلسطيني من أجل التحرر من نير آخر احتلال كولنيالي في العالم وبين نضال السود في الولايات المتحدة في معركتهم العادلة لتحقيق المساواة. وكان لوقع كلماته سحر كبير في منطقتنا العربية، وساد جو من التفاؤل الكبير بأنه وأخيرا تصطف أميركا مع الجانب الصحيح من التاريخ في المنطقة.
أوباما أخفق! فلم يتمكن من ترجمة كلماته الرنانة لسياسة تقود بلاده تجاه القضية الفلسطينية، وكان ينقصه تصميم الانتصار على ديناميكية التعنت الإسرائيلية، وتمكن نتنياهو هي نهاية الأمر من إجباره على إعادة النظر في موقفه الذي كان يوصف إسرائيليا بأنه موقف مؤيد للفلسطينيين، وتحول الموقف الأميركي من موقف يشترط وقف كافة الأنشطة الاستيطانية لاستئناف المفاوضات إلى موقف متخاذل ينادي باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة!
طبعا، عندما شعر الإسرائيليون بأن أوباما يتجه نحو الفلسطينيين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من خلال العمل الحثيث في الكونغرس وتأليب الرأي العام الأميركي ضده ما رفع من كلفة مواقف أوباما اللفظية التي كانت تفسر بأنها تصب في صالح الفلسطينيين. هذا هو السبب الوحيد الذي دفع أوباما للتصريح بأنه كان قد بالغ كثيرا في تقديره لقدراته في إقناع الإسرائيليين بضرورة الحل مع الفلسطينيين.
بالمقابل، أخفق العرب- الذين يمتثلون لفكرة عجزهم عن التأثير- في البناء على خطاب الرئيس أوباما، ولم يفكروا في العمل على الساحة الأميركية على اعتبار أنها حكر على إسرائيل، وأضاعوا فرصة وجود رئيس كان يتعاطف مع القضية الفلسطينية لأن جل اهتماماتهم كان أبعد ما يكون عن القضية، فالقادة العرب كانوا يقاربون واشنطن بأولويات مختلفة ما أضعف الموقف بشكل عام.
سنسمع كثيرا عن الانحياز الأميركي لإسرائيل وكأنه يحدث اليوم ولأول مرة، لكننا لن نسمع عن محاولة عربية لخلق خيارات جديدة للتعامل مع القضية برمتها ومن ضمنها أميركا التي أصبحت جزءا رئيسيا من المشكلة. ما زال العقل العربي بعيدا عن فهم السياسة بأنها معادلة رياضية لها علاقة بالربح والخسارة والمصلحة، فأميركا التي لا تدفع استراتيجيا أي ثمن لقاء مواقفها لا يمكن أن تكون بجانب الحق العربي لأن إسرائيل ترفع من كلفة ذلك.
hbarari@gmail.com
(الرأي)