تخرج التعديلات الدستورية من عهدة مجلس النواب إلى مجلس الأعيان بعد أن كادت الأمور تنفلت تماماً عن "الخطة الرسمية"، وتدخل في سيناريو لم يكن في حسابات "مطبخ القرار"، لولا أن فشل اقتراح "عدم حل المجلس التالي للمجلس السابق"، فقط بفارق 5 أصوات، وبعد أن تدخل مسؤولون في الوقت الضائع لإنقاذ الموقف!
ما بدأ يفكّر فيه مسؤولون بجديّة أكبر هي الصعوبات التي يمكن أن يواجهها مشروع قانون الانتخاب في الدورة العادية من "تعطيل" نيابي، لتأخير وفرملة سيناريو حل المجلس خلال الأشهر المقبلة، بخاصة أنّ نسبة كبيرة من النواب يشعرون بأنّه لا فرصة لهم بالعودة إلى القبة.
بالضرورة، فإنّ الورقة المتبقية بيد المسؤولين والحكومة للتعامل مع "سيناريو تعطيل القانون" تتمثّل بضغوطات ومفاوضات مع الأقطاب والأركان في المجلس، بعد أن حدّدت التعديلات الدستورية، بصورة دقيقة وحادّة، الشروط التي يتم فيها إصدار القوانين المؤقتة.
الآن، ما يطلبه "المسؤولون" عبور سيناريو تمرير التعديلات وقانون الانتخاب، وصولاً إلى انتخابات بلدية ونيابية مبكرة، ومرحلة جديدة، كيفما اتفق. إلاّ أنّ ما لا نستطيع هضمه هو أن يترك لمجلس نواب غير مؤهل سياسياً (باستثناء عدد من النواب المتميزين، الذين حدّوا من الصورةالسلبية) النظر في أهم شؤوننا السياسية، أي الإصلاح الدستوري، فتعامل معها بدرجة كبيرة من العفوية والارتجالية والسطحية، ولم تأخذ حقّها الطبيعي والصحيح، بالرغم مما تحمله الثقافة السياسية الأردنية من إرث كبير، ميّز المناخ السياسي خلال العقود السابقة.
على الأغلب، فإنّ هاجس "دوائر القرار" كان "فتح الدستور" بحذر، خشية أن يفتح ذلك الباب أمام تطرف سياسي في التعامل مع الموضوع، وربما لا يخدم وجود "مجلس نيابي" على مستوى من الأهلية والكفاءة الكبيرة، هذا السيناريو.
في المقابل، فإنّ ما هو أخطر من ذلك هو أن تمر التعديلات الدستورية الحالية عبر القنوات المرسومة، ثم تواجه بمعارضة سياسية واستمرار الاحتجاجات، ما يعيدنا إلى المربع الأول، وتفقد هذه التعديلات زخمها وقيمتها السياسية.
المشكلة أنّ الحكومات المتعاقبة والمسؤولين في المواقع النافذة عندما يتخذون قرارات لا ينظرون – في العادة- إلى أبعد من بضعة أمتار قليلة للأمام، و"تُسلق الأمور سلقاً"، فتغيب الرؤية الاستراتيجية عن محطات مهمة وخطرة، ما يورطنا في أزمات سياسية متتالية.
هذا المجلس بأدائه الكارثي هو نتاج قانون انتخاب "الدوائر الوهمية"، الذي أتت به الحكومة السابقة بعد أن حلّ المجلس المزوّر (2007)، وكان يفترض أن نكون قد تعلّمنا من الدرس القاسي، وحاول المسؤولون ردّ الاعتبار لهذه المؤسسة الأساسية البنيوية في النظام السياسي وعدم ترك الباب مفتوحاً للتساؤل حول شرعيتها.
إلاّ أنّ الحكومة حينها أصمّت آذانها عن كل النداءات والتحذيرات، وأصرّت على قانون يجذّر الأزمات السياسية والاجتماعية، ولا يحلّها، بل وتلاعبت بالانتخابات، فأنتجت ما هو أسوأ من مجلس (2007)!
بدلاً من أن يحاول المسؤولون الاستدراك، فقد ورطوا المجلس بثقة قياسية (111) لينطبق عليه المثل القائل "من أول غزواته كسر عصاته"، ففقد صورته في الشارع منذ الساعات الأولى.
لو فكرنا بعمق وبعد نظر وامتلكنا روحاً جريئة ومتحفّزة وأطلقنا العنان لترسيم الأهداف التي نريدها للدولة والوطن والمجتمع، لما دخلنا في "مراهقات" مخجلة، واصطدمنا بأنفسنا عشرات المرات خلال سنوات محدودة، بلا سبب مقنع.
ما نتمناه أن نصحو قليلاً ونفكّر بعيداً عن منطق الخصام والمناكفة والنزق، لأنّ الوطن يسع الجميع، ومستقبله هو للجميع، وقد أضعنا فرصاً عديدة، والعكس صحيح، بالتأكيد.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)