أقل ما يمكن قوله حينما نعلم أن وزيرا للمالية نسّب بتأجيل العمل بقانون الدين العام وإدارته والمعدل لسنة 2010، إنه خدع دافعي الضرائب الذين يسددون الدين وأقساطه وأخفى معلومات مهمة عن المجتمع.
وللتاريخ وحتى تعلم الأجيال القادمة، لا بد من القول إن اتخاذ مثل هذا القرار تم بعهد حكومة سمير الرفاعي وعقب أسبوعين فقط من تشكيلها بتاريخ 14 كانون الثاني (يناير) 2009، وتم اتخاذ قرار بهذا الخصوص بتاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2009. واستمرت الخديعة، ولم يعلن على الملأ، أن الحكومات لم تعد مكبلة بقانون الدين العام الذي يمنع تجاوز الدين السقف المسموح به، والمحدد بمعدل 60 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم الحديث والمطالبات المتكررة بضرورة الالتزام بالقانون وعدم مخالفته، من خلال زيادة الاقتراض بشكل غير مدروس والتوسع في الإنفاق، ظل الوزراء مرتاحين ويمارسون تماديهم في الاقتراض لمعرفتهم بأن ما يقومون به غير مخالف للقانون، معتمدين في ذلك على قرار كتب بالحبر السري بهذا الخصوص.
القرار الحكومي المتخذ الذي تعاملت معه الحكومات بسرية تامة، يكشف عن العقلية التي تحكم أمرنا، وتدلل على مواصفات الوزراء وتحديدا الاقتصاديين، إذ لم يبادر أحدهم بالاعتراف بتأجيل البدء بتطبيق قانون الدين الذي يؤثر بشكل جوهري وعميق على الاقتصاد.
أخطر من قرار التأجيل أن الحكومة في حينه لم تحدد موعدا جديدا لتطبيق القانون، حيث تركت الباب مفتوحا للتأجيل إلى أجل غير مسمى، ما يعكس حسا بعدم المسؤولية، ويؤكد أن مصير البلد ومستقبله آخر ما يفكر به بعض المسؤولين. وزراء الاقتصاد وبعد مضي أكثر من عامين على قرار عدم تطبيق القانون لم يفصحوا ولو بشكل غير مباشر عن هذه المسألة، وظلوا يلتفون ويوارون من دون أدنى مراعاة لخطورة مثل هذا القرار على الاستقرار المالي والنقدي.
النتائج تكشفها الأرقام، حيث نما حجم الدين العام خلال هذه الفترة بشكل مطرد، في ظل توقعات بارتفاعه نهاية العام الحالي لمستوى 13 مليار دينار، حيث ارتفع الإنفاق الحكومي وعجز الموازنة العامة الذي تمت تغطيته بالاقتراض سواء كان الداخلي أو الخارجي.
وما ينطبق على وزراء الاقتصاد يطال أيضا رؤساء الحكومات خلال الفترة الماضية، إذ لم يبادر مسؤول واحد خلال الفترة الماضية بإعلان الحقيقة وقولها، حتى يعلم الجميع هذه الحقيقة.
حكومة معروف البخيت مطالبة وقبل أي شيء بتحديد موعد لتطبيق القانون قبل أن تقع الفأس في الرأس، وينفلت حجم الدين ليصل حدودا خطيرة ومدمرة، ولوضع حد لاستهتار البعض واستخفافهم بمسألة زيادة حجم الدين، حيث تشير الارقام ان حصة كل أردني من الدين بلغت حوالي ألفي دينار.
ما سبق يفتح الباب لكثير من التساؤلات حيال جدية الحكومات في حل مشاكلنا الاقتصادية، ويجعلنا نسأل عن سياسات الإفصاح والحاكمية التي طالما أمطرونا بالتصريحات حولها، ويضع في عقولنا نتيجة واحدة أن حكوماتنا ليست حريصة على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.
jumana.ghnaimat@alghad.jo
(الغد)