لا يرتاح الإسرائيليون للخطاب المنطقي والمباشر الذي يكشف عورات سياستهم في إدارة علاقاتهم وتفاوضهم مع الأطراف العربيّة, لأن إسرائيل اعتمدت على تسويق خطابها في الغرب على أنها كيانٌ مظلومٌ ومحاطةٌ بغابة من الأعداء.
لهذا تفضل إسرائيل خطاباً عربياً غير منظم, وتريد أن تستعمل نفوذها في الولايات المتحدة لتقنع دوائر صنع القرار هناك بأنها في وضع غير آمن ولهذا تفعل كل ما تفعل.
رسالة واضحة تضمنها تحرك الملك الإعلامي والسياسي في واشنطن؛ وهي أن العلاقات الرسميّة مع إسرائيل أصبحت عبئاً على الدول التي تقيمها, وأن استمرار هذه العلاقات يصاحبه ضغوطٌ شعبيّة, وأن سؤالاً كبيراً يصاحب استمرار أي علاقة مع إسرائيل في ظل سياستها الحاليّة بأنها علاقة لا تنفع أحداً, وهو سؤال في أوساط حتى من يؤمنون بخيار السلام والتفاوض.
هذا الخطاب الأردني له مصداقية، لأنه يأتي من دولة عملت الكثير للسلام, وتعاملت بكل إخلاص مع قناعاتها وكان لها وجهٌ واحدٌ وخطابٌ واحدٌ مع شعبها وأشقائها والعالم.
العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح وليس الحبّ والكره, وفي حالة إسرائيل فإنها في نظر الناس عدو مغتصب, وحتى تجد إسرائيل لها مكاناً في المنطقة وتقنع الشعوب العربيّة بأنها تحب السلام؛ يجب أن تدفع ثمن أي علاقة من خلال إعطائها الشعب الفلسطيني حقوقه, لأنها ليست دولة شقيقة نلتمس لها الأعذار بل هي كيان محتل لا تزول أسباب رفضه إلا باستجابته للحق العربي.
الرسالة واضحة للطرف الإسرائيلي؛ أن العلاقة معهم رسمياً وشعبياً في أي ساحة عربية تقاس بتحقق المصلحة العربية. وعلى إسرائيل أن تتوقف مع نفسها مطولاً لأن ما كان من علاقات ليس حباً بها بل سعياً لتحقيق المصالح العربية, وإذا استمرت إسرائيل بإدارة ظهرها للحقوق الأساسيّة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة الدولة المستقلة على أرض فلسطين, واستمرت بالمماطلة ووضع رأسها في الرمال, واستمر الاستفزاز السياسي والإعلامي للأردن فإن الجميع من المؤمنين بالتفاوض والمعارضين له سيقولون: إنها علاقة لا تنفع أحداً.
على إسرائيل أن تدرك أن ما تفعله اليوم سيجعلها تفقد ما حصلت عليه من مكاسب سياسيّة من معاهدات واتفاقات مع مصر والأردن وحتى منظمة التحرير, لأن العلاقات القائمة-وكما أشار الملك بوضوح-ليست هدايا تقدم لإسرائيل بل خدمة للمصالح العربية، وليس مطلوباً من الدول التي تقيم علاقات رسميّة معها أن تتحمل الضغوط الشعبية بل على إسرائيل أن تدفع الثمن من خلال الاستجابة للحق العربي الفلسطيني.
رسالة أردنية مهمة لإسرائيل والمجتمع الدولي بأنه لم يعد ممكناً الاستمرار وفق الوضع الحالي, ولم يعد مقبولاً أن تدير إسرائيل ظهرها لعملية سلام منتجة ثم تجد من يدافع عن علاقات معها, لأن الإقبال العربي على السلام هدفه استعادة الحق العربي وليس حل المشكلة الإسرائيليّة على حساب حقوق الأمة.
ce@alrai.com
(الرأي)