في مقابلة معه أجراها الأستاذ فهمي هويدي ونشرتها صحف عديدة قال رئيس الوزراء التركي أردوغان إنه يخشى أن «ينتهى الأمر بإشعال نار الحرب الأهلية بين العلويين والسنّة» في سوريا، والسبب برأيه يتمثل في هيمنة «النخب العلوية على مواقع مهمة في السلطة وفي قيادة الجيش والأجهزة الأمنية»، مبديا مخاوفه من أن «يتجه غضب الجماهير إلى تلك النخب، ليس فقط باعتبارها أداة السلطة في ممارسة القمع، ولكن أيضا بصفتها المذهبية».
وأضاف أردوغان «للأسف فإن النظام يلعب الآن بتلك الورقة الخطرة لأن بعض المعلومات المتسربة تشير إلى أن نسبة ممن يوصفون بـ»الشبيحة» ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهو ما يعمق الفجوة بينهم وبين الأغلبية السنيّة ويثير ضغائن لا علاقة لها بالانتماء المذهبي، وإنما زرعها وغذاها الصراع السياسي الذي اتسم بقصر النظر حتى بدا أن السلطة مستعدة لإشعال حريق كبير في البلد لكي تستمر».
الآن بوسع متعهدي تهم الطائفية والمذهبية أن يكرروها بحق السيد أردوغان، تماما كما فعلوا معنا بسبب حديثنا عن قضية العلويين والأقليات الأخرى وموقفها من الثورة في سوريا، وسينسون بالطبع أنهم منحوه من قبل أوسمة «الإسلام المعتدل» الذي على الحركات الإسلامية أن تجسده في سلوكها وممارساتها كي تكون حضارية وعصرية ومقبولة من الغرب والشرق والداخل والخارج!!
قلنا من قبل إن إشارتنا لهذا البعد في الملف السوري لا يتجاوز توصيف الحالة التي تتحرك على الأرض، ولا صلة للأمر بملف الأديان والمذاهب بمعناها الحرفي، لأن أحدا لا يكره أحدا على العقيدة والدين والمذهب («لا إكراه في الدين»، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»).
في تركيا علويون تختلف التقديرات حول نسبتهم، ولكن أردوغان لم يدفن رأسه في الرمال من أجل مجاملتهم، بل إن من غير المصلحة أن يفعل، لأن وضع الطائفة العلوية السورية كل بيضها في سلة النظام واستعداء الغالبية السنيّة ليس من الحكمة في شيء، وقد فرحنا مؤخرا ببيان ثلاثة من رموز الطائفة الذين رفضوا حشرهم في معسكر النظام ووضعهم على النقيض مما تبقى من شعبهم.
النظام هو من يلعب هذه الورقة من أجل بقائه، وبالطبع لأنه يعتقد أن استنجاده بالطائفة ومعها بعض الدروز والمسيحيين سيمنحه فرصة البقاء. صحيح أن كثيرا من السنّة لا يزالون مترددين في حسم موقفهم، لكن ذلك شيء والوقوف الكامل في مربع النظام واستهداف معارضيه بالقتل والتعذيب والاعتقال شيء آخر، ولم يعد سرا بالفعل أن الكتائب التي يشرف عليها ماهر الأسد ليس فيها غير أبناء الطائفة العلوية (فضلا عن فرق الشبيحة)، بل ربما انتقوا من بين أبنائها أكثرهم سوءً وحقدا وقابلية لممارسة القتل والتعذيب.
كل ذلك هو كما ذهب أردوغان وصفة للحرب الأهلية، ونعلم أن الحروب الأهلية على أساس ديني ومذهبي هي من أسوأ أنواع الحروب. صحيح أن خسائر الغالبية ستكون كبيرة، بل لعلها الأكبر من دون شك تبعا لاحتكار النظام وطائفته لأدوات القوة والبطش، لكن النتيجة النهائية ستكون بالغة السوء على الأقلية، وربما الأقليات التي تقف في مربع النظام.
لقد خرج الناس في سوريا يطلبون الحرية، ولم يتحدثوا عن طائفة النظام ولا عن ملته، تماما كما خرج المصريون ضد حسني مبارك واليمنيون ضد علي صالح والتونسيون ضد بن علي، والليبيون ضد القذافي، ولم ينفع هؤلاء جميعا وجود علماء يحسبون أنفسهم على السلف يطالبون الناس بطاعتهم بوصفهم ولاة الأمر، إذ استمرت الثورة حتى انتصرت في ثلاث دول حتى الآن.
إنها جماهير تريد الحرية، ولن تقبل الظلم والديكتاتورية من أي أحد مهما كان مذهبه، ولو كان بشار الأسد عادلا وديمقراطيا لما تحدث أحد في هذا البعد الطائفي. ولو قام بإصلاحات معقولة من تلقاء نفسه قبل خروج الناس إلى الشوارع لقبلها الناس ورحبوا بها، لكنه رد على مطالبتهم بالحرية من خلال الرصاص، فكان ما كان.
لسنا طائفيين إذن، وليس أردوغان طائفيا، لكن النظام هو الذي يستخدم الطائفية من أجل مصلحته وبقائه.
ألم يستخدم القذافي «منهج السلف» كما يسميه البعض من أجل تبرير بقائه ورفض الخروج عليه، هو الذي كان يعلن من قبل على الملأ رفضه المطلق للسنة النبوية؟!
(الدستور)