رئيس الوزراء معروف البخيت، وضمن محاولة حكومية متأخرة لتبرير إجبار محافظ البنك المركزي السابق فارس شرف على الاستقالة، وصفه بـ" الليبرالي" على اعتبار أن الليبرالية تهمة وجريمة خطيرتان.
لكنّ الرئيس لم يخبرْنا ماهية العقوبة التي تُفرض على الليبرالي، وهل تصل حدّ الإعدام، خصوصا وأن قارئ ما بين السطور يكتشف أن الرئيس قصدَ من وراء التلويح بهذا المصطلح الإساءةَ لشرف في محاولة منه لحرقه شعبيا وإعلاميا.
البخيت اعتمد في تقديم الليبرالية كتهمة على الصيت السيئ الذي يلحق بالليبرالية في الأردن، في ظل انطباعات شعبية كارهة لهذا التوجه، نتيجة ما لحق بالمجتمع من ضرر كبير، وتحديدا في الجانب الاقتصادي، الذي خلّفته "مدرسة الليبرالية الأردنية".
والتهجم على الليبرالية مسألة سهلة، خصوصا، وأن "ليبراليينا" هم من أساء للفكرة بالدرجة الأولى، حين طبّقوا الجزء الاقتصادي الذي خدم أجنداتِهم ومصالحَهم فقط، ما قدم شكلا مجتزأ ومشوّها لهذه الفكرة.
والعامل الثاني أن صراعات مراكز القوى التي تنافست على مدى سنوات طويلة، سعت مع سبق الإصرار والترصد إلى تدمير هذا المفهوم في عقول الناس، بحيث ترتبط صورته بوحش ينقضّ على حقوقهم وينتهكها، وأكثر من ذلك أن ليس لديه من مانع من ارتكاب الخطايا، ما دام ذلك يصبّ في مصالحه والمنافع التي سيحققها.
ومن قالوا عن أنفسهم ليبراليين، وهم أبعد ما يكونون عنها، وبعد أن تكشفت أخطاؤهم لم يجرؤ أحدهم على الخروج للدفاع عنها لإدراكهم حجم الدمار الذي تركوه والناجم بشكل مباشر عن تطبيق إحدى مقاربات الليبرالية على مدى سنوات، أفرزت وللأسف نتائج اجتماعية سيئة تتعلق ببيع مقدرات الوطن من خلال عمليات الخصخصة. والعقدة الأساسية تكمن في تشتت واختلال يرافق تطبيق الليبرالية بمحورها الاقتصادي، والتي تقوم على اقتصاد السوق والاعتماد على العرض والطلب وخروج الدولة من القطاع العام. بيد أن طبيعة البلد وبالعودة إلى نشأتها احتارت فيما تطبق، فهل لها أن تبقي على المنح والهبات والعطايا التي صار المجتمع يرفضها اليوم، أم تذهب باتجاه اقتصاد السوق. حيرة الدولة وارتباكها جعل لدينا وصفة عجيبة غريبة، فلسنا ليبراليين، ولا الأردن دولة اشتراكية، حيث تم تطبيق جزء وإهمال آخر، وتنامت مساهمة الدولة في القطاع العام في الوقت الذي بيعت فيه معظم مؤسسات وشركات القطاع العام ضمن عمليات الخصخصة. ولسوء الطالع، تابع أنصار الليبرالية المجتزأة المشوهة مسيرهم بدون الالتفات إلى الأثر الاجتماعي لسياساتهم التي تسببت برفع معدلات الفقر والبطالة، وعجزت عن توزيع معدلات التنمية والنمو بعدالة، ولم يتذكروا أن في الفكر الليبرالي موقفا وسطا بين الرأسمالية المطلقة والاشتراكية، حين تسعى لتحقيق موازنة بين الحرية والمساواة وتحرص على تأهيل الناس للعمل كما تهتم بالخدمات الاجتماعية مثل التعليم والضمان الصحي.
وللأسف، فإن التطبيق الملتوي الذي رافق هذا النهج، خلق ثقافة مجتمعية معادية لمثل هذا الفكر الذي يهدف إلى تحرير الإنسان كفرد وكجماعة من القيود السلطوية السياسية والاقتصادية والثقافية، بما ينسجم مع أخلاق المجتمع الذي يتبنى الفكر الليبرالي، بما يضمن استقلال الفرد والالتزام بالحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية والمدنية. العلاقة بين الليبرالية والديمقراطية وثيقة وتقوم الأولى على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقه بالحياة.
لكن ما طبق لدينا أبعد ما يكون عن الليبرالية، والليبرالية براء منهم، في ظل مفاهيمها التي تعنى بتكريس سيادة الشعب والتعبير عن إرادة الشعب واحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.وللأسف، فإن الصورة التي قدمت لليبرالية غير صحيحة ومختلة، ولذا من واجب الليبراليين الحقيقيين الانتصار لفكرتهم، وتطبيقها في جميع جوانب الحياة بحيث تصبح هذه الفكرة نعمة وليس نقمة.
jumana.ghnaimat@alghad.jo
(الغد)