«العشاء الاخير» بين الاسلاميين والامريكيين!
ماهر ابو طير
21-09-2011 04:26 AM
مرات انتقد الحركة الاسلامية،وهي مرات نادرة،مقارنة بتلك المرات الني أدافع فيها عن الاخوان المسلمين،التنظيم والفكرة والنهج والاثر والانجاز،والمستوى الطيب الاخلاقي لشبابهم ورجالهم،وضرورة منحهم مكانتهم في هذا البلد.
لم يكن النقد يوماً نيابة عن احد،ولا فاتورة لاحد،لان الاسلاميين يسارعون باتهامك انك بوق لمؤسسة ما،والضمير يفرض عليك ان تقول ما لهم وما عليهم،ولا تنكر مزاياهم الطيبة.
يكفي هذا الاثر العظيم لهم في حياة عشرات الاف عائلات الاردن عبر جمعية المركز الاسلامي،وتلك البصمة الدينية التي طبعوا بها الاف الشباب عبر عشرات السنين،بدلا من اختطافهم الى الشوارع والمجهول.
منذ ان بدأت الحركة الاسلامية،تشتغل في السياسة،انحدرت الحركة الى واد سحيق،فلم تعد حركة دعاة وعمل خيري،وانقاذ للاجيال كما كانت،اذ صارت لعبة السياسة والنيابة والوزارة والبلديات،لعبة الحركة الاولى،فلا بقيت كما كانت،ولا اخذت حصتها في الثانية.
احزن كثيراً اذ اقرأ كلاماً منسوباً لصديق لدود،لم اوفره من نقدي،ولم يرحمني من ردوده الجارحه،وهذه ميزة للاسلاميين،اذ يطالبون دوماً بالحرية،لكنهم يخوّنون من ينتقدهم دوماً،واذ ترشهم بالماء المعطر نقداً،يرشونك بالدم في ردودهم.
في وثيقة جديدة من وثائق «ويكيليكس» ُصعقت اذ اقرأ عن عشاء حضرته شخصيتان من الاخوان المسلمين في بيت كاتب اردني،والعشاء حضره مسؤولان من السفارة الامريكية في عمان،ولا اريد ان اسأل هل كان القياديان يعرفان مسبقاً عن حضور الامريكيين،ام انهما فوجئا؟!.
الاغلب انهما يعرفان،لان لا احد منا يذهب الى عشاء ولا يعرف من المضيف والضيوف، خصوصاً، اذا كانا يعملان في الحقل السياسي والاعلامي.
السفارة الامريكية في عمان كتبت تقريراً الى واشنطن،حول العشاء،وما قاله القياديان نبيل الكوفحي ورحيل الغرايبة،وموقع «ويكيليكس» سرّب البرقية الطويلة التي تؤشر على انسياب الحوار بين الاسلاميين والامريكيين،خلال العشاء،هذا في الوقت الذي كنا نسمع فيه ان امريكا كافرة ومسؤولة عن مذابح العرب والمسلمين.
جاء في الفقرة السابعة من البرقية ما يلي «مع ملاحظتهما لانقطاع الحوار مؤخراً، قال غرايبة والكوفحي أنهما يرحبان باستئناف الحوار السياسي شريطة ان يحاط بالسرية التامة والحذر،وان يكون من وراء الكواليس،ولم يقدم اي منهما انتقادات او تعليقا على السياسة الداخلية الاردنية ولا للعلاقة الاسرائيلية الفلسطينية ولا التطورات الاقليمية ولكنهما اوضحا أنه سيكون من المستحيل زيادة التبادل المتعمق مع الامريكان ما لم تنشأ علاقة ثقة عبر محاورين دائمين في السفارة».
تعبير «مع ملاحظتهما لانقطاع الحوار» يؤشر هنا على وجود سلسلة سابقة من الحوارات، والعتب في العشاء يأتي بسبب انقطاع الحوار بين السفارة والاسلاميين،والقياديان يريدان عودة الحوار شريطة عدم كشفه!.
هذا كلام خطير جداً،وينبغي على الحركة الاسلامية ان تخرج لترد ولتوضح ولتشرح ما الذي حدث بالضبط،لان ابسط الاشياء ان يقول كل من ورد اسمه في وثائق السفارة الامريكية المسربة: هناك اخطاء في الترجمة. او ان السفارة نقلت اقوالهم بشكل مبتور او مشوه!.
اذا كان القياديان الاسلاميان يطالبان بلقاءات وعودة سلسلة اللقاءات شريطة سريتها،وان لا يتم كشفها،ويطالبان برفع مستوى العلاقات مع الامريكيين،عبر محاورين دائمين في السفارة الامريكية في عمان،فعلى الدنيا السلام،فلا تشبعونا حديثاً عن المقاومة والحريات ومسؤولية واشنطن.
كل ما ارجوه ان يخرج العزيز د. رحيل الغرايبة بدلا من شتمي كما في مقالات سابقة له،على الرغم من نقدي له بأدب بالغ،وان ُيكذب البرقية،وان تخرج السفارة الامريكية لترد لاحقاً،ولنعرف عندها من يتودد الى الامريكيين ويبحث عن صلات معهم،تحت مسميات مختلفة،ومن هو عقائدي بحق،ولديه اسس يتحرك على اساسها.
كل خطايانا الفردية،في حياتنا،لا تعادل جلسة استماع مع مسؤول امريكي،ويعرف اغلبنا مسبقاً انه سيمرر برقياته الى المخابرات الامريكية قبل الخارجية الامريكية،والبيت الابيض،وعلى هذا نريد ان نسمع رد الاخوان المسلمين الاعزاء،على هذه البرقية،وهل كلام القياديين يمثل الجماعة ام يمثل الشخصين الكريمين؟!.
لماذا سكت الاسلاميون ايضاً على كم الوثائق الهائل الذي تسرب في وقت اخر وكشف كم من اختراقات داخلية في الاردن،وكم من اشخاص بيننا يريدون مقايضة فلسطين بوطن بديل،ولماذا لم ُيعلق الاسلاميون على الوثائق السابقة؟!.
اريد ان اسأل العزيز الدكتور محمد ابوفارس،وهو رجل الدين الذي لا يشق له غبار عن رأيه الشرعي،ورأي مجلس علماء الجبهة والجماعة،في قصة الاتصال بالامريكيين،ولا احسب ان عزيزاً كأبي ساجدة،قادر على التبرير لاحد.
افقدتمونا الثقة في كل شيء،وليس سراً،ان توقيت تسريب الوثائق يراد منه تحطيم الصور والقناعات والجماعات والرموز واثارة الشكوك والاحقاد بين ابناء البلد الواحد.
الحق في النهاية ليس على الامريكيين بل على من سلمّهم ذقنه ليمشطوها كيفما شاؤوا،فيما ننشغل نحن ببعضنا.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)