ليس من المفترض ان يغضب اي مسؤول اذا اقالته او غيرته الحكومة, فهو يعلم ان احدا لم يتفاوض على منصبه عند تعيينه, فكيف الحال عند خروجه, فالجميع لم يأتوا على اكتاف الجماهير او صناديق الاقتراع.
حكومة سمير الرفاعي الثانية اقيلت بعد 50 يوما من تعيينها وبعد 40 يوما من حصولها على ثقة 111 الشهيرة, وبدران لم يكمل الستة اشهر من حكومته التي رفع فيها اسعار المحروقات مرتين, وقبله الروابدة الذي علم بتغيير حكومته من الاذاعة وهو عائد الى بيته, وغيرهم من المسؤولين الذين دخلوا وخرجوا بسرعة البرق وبطرق دراماتيكية, وهذا امر طبيعي في ظل غياب المؤسسية والتقويم والمحاسبة.
لذلك ليس على الشريف فارس شرف ان يغضب مما حدث معه من قبل رئيس الوزراء معروف البخيت, فالاخير سيخرج بطريقة دراماتيكية ايضا, وهو يعلم ذلك جيدا, لكن اللافت هو ان الحكومة تتصرف بشكل يشوه صورة النظام نفسه بالأقاويل والاشاعات نتيجة سوء اخراجها للقرارات المختلفة, فما ضّر رئيس الحكومة لو كان جلس مع الشريف فارس وطلب منه الاستقالة باسلوب مرن بدلا من الاخراج البوليسي الذي اساء لهيبة الدولة مع مسؤوليها وقوانينها.
من الناحية النظرية تصرف البخيت مع المحافظ السابق شرف بفتح التساؤلات حول الاسباب التي دفعت الى مثل هذا الاجراء من دون مقدمات, بل ان البعض قد يرى ان الشخص قد ارتكب مخالفات كبيرة تستحق مثل هذا التصرف, لكن في الحقيقة ان صورة الشريف ستبقى ناصعة البياض لا تشوبها شائبة والجميع يعلم بمستواه العلمي والعملي والخلقي ونظافة اليد, ولا يحتاج شهادة حسن سلوك من حكومة البخيت, من حكومة الكازينو, من حكومة الاعطيات, من حكومة السجين شاهين, هذا زمن غريب عجيب.. حَدّث فيه ولا حرج.
اذا ما دقق اي مراقب فيما قاله المحافظ السابق شرف في آخر حديث اعلامي له مع »العرب اليوم« فسيجد ان الشخص على خلاف كامل مع الحكومة في ادارة الشأن الاقتصادي, فهو ينتمي لمدرسة فكرية واضحة لا تتناسب مع التكتيكات التي يضعها فريق الحكومة.
على اية حال يبقى البنك المركزي مؤسسة مستقلة بغض النظر عن ذلك التصرف, وخَرَّجت معظم رجالات الدولة, لكن ستكون تلك المؤسسة محط انظار مراقبة المعنيين, خاصة وان العشرة شهور الماضية كانت مليئة بالتطورات المهمة التي ادت الى مزيد من تدهور العلاقة بين المحافظ والحكومة, وكانت بداية الخلاف في شهر آذار الماضي عندما انكشف حساب وزارة المالية لدى المركزي, ورفض الاخير تغطيته والتوقف عن صرف اية شيكات رسمية, وكاد الامر ان يؤدي الى عجز الحكومة عن دفع رواتب العاملين.
التطور الاخر الذي قد تكون له صلة في تدهور العلاقة بين حكومة البخيت والمحافظ هو ما كشفته وحدة غسل الاموال خلال شهر رمضان الماضي حول شبهة غسل اموال كبرى بقيمة 100 مليون دولار نفذها رجل اعمال اردني مقيم في امارة ابوظبي, حيث تم تحويل الملف للنائب العام الذي بدأ فعلا بالتحقيق في القضية التي اثارت جدلا واسعا في المجتمع خاصة وان الشخصية المشتبه بها تتمتع بعلاقات حيوية مع عدد كبير من المسؤولين وقدمت تبرعا مهما لمؤسسات حيوية مختلفة.
وقد يكون وجود بعض اسماء المتنفذين على القائمة السوداء في البنك المركزي مؤخرا ادى الى تفاقم الازمة بين الحكومة والمحافظ السابق, انعطاف اخر في علاقة الرئيس البخيت بمحافظ البنك المركزي يتعلق بالاجراءات التي اتخذها الاخير مع احد البنوك المحلية وطلب تصويب اوضاعه بشكل صارم, حيث تتحدث اوساط عن علاقات صداقة تجمع مسؤولي البنك مع عدد كبير من المسؤولين في الدولة.
البعض يرى انه قد يكون لمسألة المنح الخليجية علاقة بالتطورات السلبية في العلاقة بين الحكومة والمحافظ من عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بأولويات انفاقها التي تختلف بين المركزي ووزارة المالية.
الا ان هناك من يعتقد ان التحويلة المالية التي اجراها البنك المركزي السوري لدى احد المصارف المحلية الكبرى والتي تم تحويل مبلغ 400 مليون دولار الى ريال سعودي وهذا امر كان يتطلب موافقة مسبقة من البنك المركزي.
صحيح ان الاردنيين اعتادوا على مشاهدة المسؤولين وهم يخرجون او يقالون من مناصبهم مهما علت من دون نقاش لكن من المحرم ان يأتي شخص ويقول لن اقدم استقالتي ولا بد من توضيح الاسباب فهذا امر عجيب غريب في تفكير مسؤولي الدولة.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)