ثورة الشعير .. وبالسكر تدوم النعم
فايز الفايز
02-09-2007 03:00 AM
في الوقت الذي خرج فيه شمس الفئة التي طالما كانت موصوفة بأنها الذراع القوي للدولة ، في وجه قرار اتخذ في ليل الحكومة الذي نحسب إنه لن ينجلي ، تتباكى بعض الفئات على قرار حكومي أخر حسبوه " ظالما " من وجهة نظرهم، وهو منع الخمور في البارات والملاهي الليلية الرخيصة ، وفي الفنادق من رتبة ثلاث نجوم وما دون.فالقوم الأوائل ، هم السابقون في العهد الوطني ، وهم الذي يبدأ صباحهم في الساعة التي تنتهي سهرات القوم الآخرين .
فالرابعة صباحا هي ساعة تناول القهوة عند أصحاب المواشي ، حيث يوقظون الشمس لتصحو جّراء ثغاء نعاجهم ، ورغاء إبلهم ، ونهيق حميرهم ، ونباح كلابهم ، وأصوات رعاتهم ، وجلجلة أجراس كباشهم ، متكلين على الله شاكرين له نعمة الأمن والآمان في بلدهم ، و عند موعد استيقاظ دولة الرئيس من نومه صباحا ، يكونون قد " جلبوا " خرافهم الى أسواق الحلال التي تغذي مسالخ المملكة ، وقفلوا عائدين الى مراعيهم أو بيوتهم ، مطمئنين إن لأغنامهم ربًا يحميها ، وحكومة تعرف إنهم عمودا رئيسا من أعمدة الأمن الغذائي للبلد ، مكذبين المعلومات الأولية التي تفيد برفع الدعم عن الأعلاف ثم رفع أسعارها الى حد الخروج من قمقم الصمت ، وغليان مياههم التي طالما كانت باردة صامتة .
في المقابل فإن " سكرجية " الليل في عمان العاصمة التي تحوي النسبة العظمى من أماكن بيع الخمور ، وجميع أندية السهر الأحمر ، والديسكوهات التي تتلوى فيها أجساد بنات ذوات ، وبنات الشوارع ، في أحضان عيون الرجال العطشى " للجنس " أو الذين اعتادوا على الاستمتاع بشرب الأنخاب في حضرة الأوانس المستوردات من خارج البلد مخصوصا لهذه الغاية ، هؤلاء لا يهتمون بمعاناة الوطن ، ولا بمقاييس التضخم ، ولا بالأعباء التي تتحملها الحكومة ، وأذا خرجوا عند الفجر من مرابعهم وعلب الليل ، لا يهتمون لهيبة الشرطة ، ولا يمتثلون لإشارة قف ، وليس في خيالهم سوى موعد الليلة اللاحقة ، ثم تأتي وزارة الداخلية ووزارة السياحة للتنكيد على مزاجهم ، لمنع بيع الخمور في شهر رمضان المبارك .
إسمحوا لي ان أتهكم قليلا ، بصراحة وزير الداخلية ليس معه أي حق في ذلك الإجراء ، وكذلك وزير السياحة الذي يخاف على السمعة السياحية للبلد ، الذي بدأ يتحول شيئا فشيئا الى " السياحة الكلاسينية " .
من يخرج في شوارع العاصمة في ليل بهيم ويمر عبر الشوارع التي تتهادى على جنباتها أوكار متعاطي الخمور ،، سيرى بعينه العجب العجاب ، فالشباب المراهق فكريا من الجنسين أصبحوا هم زبائن تلك العلب الدائخة ، وكم رأينا السيارات الفارهة التي تنتظر أبناء المهمين ، ليقودوها بسرعة طائشة بعد خروجهم من أوكارهم .
وللملاحظة فأن تلك المحلات تبلغ ذورة الريادة فيها يومي الأثنين والخميس ليلا ، وهذه ملاحظة تأكدت منها طيلة السنين التي أدهشتني فيها تلك المحلات في منطقة سكني وعملي بزيادة روادها سنة عن سنة ، وتناقص أعمار الزبائن ، وازدياد فئة الفتيات ، اللواتي يخرجن كما يخرج النحل من صناديقها بعد حملة رش مبيدة ، ذابلات متمايلات يستندن على أكتاف الأصدقاء .
في السنين الجميلة الغابرة ، كانت حرمة رمضان حرمة تامة ، تمنع خلالها تلك المظاهر ، ويمنع تقديم كافة انواع الخمور في كل الأماكن ، وتغلق البارات في كافة الفنادق الخمس نجوم ، و الخمس غيوم ، ولا يضير الزبون الأجنبي عدم احتساءه للخمر ، مدة مكوثه التي لا تصل في أي فندق أكثر من أسبوع مهما تكن شخصيته ومهمته ، إلا إذا كان مدمنا تماما ، وهذا من غير الوارد .
نحن في بلد نصه الدستوري واضح ، وفيه مادة تقول إن دين الدولة الإسلام ، والاسلام له نصوص ربانية ، يجب احترامها على الأقل في الشهر الفضيل ، وفي الأماكن العامة على الأقل ، أما في البيوت أو السفارات فالجميع يمتلكون الحرية الشخصية بما يفعلون أو يقترفون .
يجب منع كافة المظاهر التي تخل بحرمة الشهر الفضيل ، ومنها خدمة تقديم الخمور في الفنادق كافة ، وكذلك منع المقاهي والخيم التي يسمونها تجاوزا " الخيم الرمضانية " التي تستخدم المغنين والفتيات في تقديم الخدمات للزبائن ، وتحيا الليالي الرمضانية بالزمر والتصفيق والهز و "التشوبية" ، كما يجب ان تخجل الفنادق التي تقدم طعام الأفطار على أنغام الموسيقى ، واللوحات الفنية التي يقدمها " مخنث " يأتي كل عام من العاصمة اللبنانية بيروت يدعى " فاغل نعالي " .
وختاما سوف أعود الى موضوع الشعير .. الذي هو القاسم المشترك بين الأغنام والمواشي التي تتغذى عليه ، وبين شاربي الخمور ومرتادي البارات الذين يعتمدون على الشعير أيضا في جودة مشروبهم المفضل هناك ، لنطالب الحكومة بأن تتخذ قراراتها في وضح النهار و" الناس مصحصحة " ، وليس في الليل و " الناس دايخة " .
royal430@hotmail.com