في اللجنة السياسية الوزارية هنالك صيغتان رئيستان، الأولى ما قدمته لجنة الحوار الوطني (التمثيل النسبي المفتوح في المحافظة، والقائمة الوطنية)، والثانية العودة إلى نظام الـ89. وضمن الصيغة الثانية ثمة خيارات متعددة، مثل أن يكون لكل ناخب ثلاثة أصوات في المحافظات كافة، أو أن يمتلك أصواتاً بعدد المقاعد، والبعض يقول بإضافة القائمة الوطنية المغلقة على الـ89، لرفع عدد الأصوات.
لا يوجد في العالم نظام انتخابي يحظى بإجماع، فلكلِّ نظامٍ مؤيدون ومعارضون، ولا ينشأ النظام الانتخابي في "فراغ" اجتماعي وسياسي. فهنالك واقع موضوعي وشروط واقعية تحدد ملامح هذا النظام، ضمن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
في الأردن؛ هنالك أهداف واضحة الآن، مثل تعزيز الحياة الحزبية، تجميع الناس على أساس البرنامج والأفكار، الخروج من "نفق الهويات الفرعية"، التي أصابت العلاقة داخل المجتمع وبينه وبين الدولة بأضرار خطرة، وفي نهاية اليوم فإنّ الهدف النهائي هو الوصول إلى حكومة أغلبية نيابية، وتداول السلطة، أسوة بالأنظمة النيابية الملكية في العالم المتقدم.
في ضوء هذه الأهداف، فإنّ المعارضة نظرت إلى "النظام الانتخابي" المقدم من لجنة الحوار الوطني بأنه قاصر عن تحقيق "أغلبية نيابية"، وأنّه لا "يضمن" وجود حكومة برلمانية.
المفارقة تكمن في أنّ النظام البديل الذي اقترحته المعارضة، وتحديداً حزبي جبهة العمل الإسلامي والوحدة الشعبية، وإن كان يطالب بـ50 % للقائمة الوطنية، فإنّه يحافظ في الـ50 % الأخرى على الدوائر الفرعية والصوت الواحد، ما يجذّر "الهويات الفرعية"، لا يلغيها، وهي أحد مداميك العنف الاجتماعي وانهيار قيم الدولة الوطنية!
الفرق الرئيس أنّ النظام الانتخابي المقترح من لجنة الحوار الوطني ينهي تماماً "الصوت الواحد"، ويجمّع الناس في المحافظات على أساس القوائم المفتوحة، فهو عودة إلى نظام الـ89، لكن مع محاولة تأطير الأفراد ضمن قوائم واعتماد التمثيل النسبي، بوصفه أحد الأنظمة الانتخابية المتطورة، التي تسمح بتمثيل القوى المختلفة، وتحدّ من "هدر الأصوات".
ربما الخلاف الحقيقي هو على نسبة القائمة الوطنية، فبينما طرحت لجنة الحوار الوطني 15 مقعداً، تطالب المعارضة
بـ50 %، لمنح الأحزاب مساحة أوسع من العمل والنشاط، وهو ما تردّ عليه الدوائر الرسمية بأنه لا توجد لدينا أحزاب برامجية أو فاعلة حقيقية على مستوى الوطن، باستثناء جماعة الإخوان، ومثل هذه القائمة تستدعي وجود تنافس حزبي، لا حزب وحيد، يمكن أن يحصد الأصوات بسهولة!
يمكن مواجهة هذه الدعوى بحجة قوية؛ بأنّ وجود نسبة مرتفعة للقائمة الوطنية يعزز عملية التحام الأحزاب والقوى ضمن تكتلات، وانخراط سياسيين مخضرمين في هذه التكتلات، ما ينشّط الحياة السياسية والحزبية، وينمي تعددية حقيقية في المشهد، بدلاً من استمرار "النواح الرسمي" من غياب التنافس الحزبي!
رئيس الحكومة أشار أمس (خلال لقاء أعضاء لجنة الحوار الوطني) إلى أنّ إحدى مشكلات "النظام الانتخابي" المقترح من لجنة الحوار تكمن في عدم توفير أغلبية نيابية لأحد الأحزاب. وهو ما يعزز ضرورة زيادة نسبة القائمة الوطنية ورفعها إلى حدود توافقية، وهو بذلك يقترب من مطالب قوى سياسية كبرى تحفظت على قانون الانتخاب ما لم يتضمن قائمة وطنية معتبرة، ربما يتم بالحوار العام التوافق على نسبتها.
بهذا التطوير على قانون الانتخاب، رفع نسبة القائمة الوطنية، نوعياً، أحسب أننا نكون قد حافظنا على المحافظة كدائرة انتخابية، ودفنّا الصوت الواحد، بينما عززنا الصوت الوطني بقائمة وطنية كبيرة، وحافظنا على مخرجات لجنة الحوار وجذبنا قوى سياسية مختلفة، ما يزيل هاجس مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، فلا تغلقوا الباب على هذا الخيار!
(الغد)