الدرس الأول ليس "باسم ورباب!"
د. محمد أبو رمان
16-09-2011 04:06 AM
ليس أمراً طبيعياً ولا مشهداً يمكن أن نراه في أيّ دولةٍ في العالم؛ هي لحظة تاريخية مفصلية غير مسبوقة، هي قصة فظيعة يقدّمها الشعب السوري اليوم للعالم أجمع.
بعد التضحيات والنزيف المستمر والكلفة الإنسانية الباهظة، لم ييأس السوريون ولم يبلعوا ألسنتهم، ويجلسوا في منازلهم، يداوون جروحهم، بل هم يزدادون إصراراً وتصميماً وكبرياءً، ويقدمون دروساً من الظلم أن نمرّ عليها مرور الكرام.
أي مرور يمكن أن نقوم به أمام مشهد طلبة المدارس الصغار وهم يهتفون أمام مدارسهم التي لم تفتح مع العام الدراسي، ويعلنون: "لا دراسة ولا تدريس: قبل إسقاط الرئيس"! أطفال لا يتجاوزون الصفوف الأساسية الأولى ليسوا الآن على مقاعد الدراسة، لا يأخذون الدرس الأول "باسم ورباب"، كما هي حال طلبتنا، بل أمام المدارس وفي الشوارع يأخذون درساً أكثر أهمية، هو درس الحرية والكرامة!
بالرغم من التضحيات الهائلة التي دفعتها الثورات، التونسية والمصرية والليبية واليمنية، إلاّ أنّ الثورة السورية تقدم اليوم نموذجاً جديداً هم "الأطفال الثوريون"؛ من أطفال درعا الذين كتبوا على الجدران "الشعب يريد إسقاط النظام"، إلى أطفال المدارس السورية الذين هتفوا للحرية في أيام الدراسة الأولى، بعد أن تحولت مدارسهم إلى مراكز أمنية ومعتقلات لآلاف السوريين، على القاعدة الهزلية التي أطلقتها مسرحية غربة "السجن مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعناق"!
تميّز "النموذج الثوري السوري" لا يقف عند حدود الأطفال، بل يمتد إلى الضباط والجنود المنشقين عن الجيش، وهم بذلك يختارون مصيراً قاسياً، وقد سبقهم زملاؤهم الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين فأرداهم الأمن فوراً شهداء، على قاعدة "إما أن تَقتل أو تُقتل".
من هؤلاء الأبطال المقدم المنشق حسين هرموش، الذي أسس تنظيم "الضباط الأحرار"، وشجّع الآخرين على رفض أوامر الإبادة الجماعية والانشقاق عن الجيش، وقام بدور كبير في مساعدة الثورة السورية.
من المفترض أن يكون التلفزيون السوري قد بثّ مساء أمس ما وصفها باعترافات هرموش، بعد أن خطفه الأمن السوري من تركيا، وهو ما يثير بالفعل الأسى، وأدى إلى استنكار الضباط الأحرار للصمت التركي.
بالتأكيد كل ما يقوله هرموش وهو تحت رحمة الجلادين لن يكون سوى ما يملى عليه تحت التعذيب والتهديد والويل والثبور، وبعد أن دفع شقيقه أيضاً حياته ثمناً لما قام به هرموش نفسه، فالكل يعرف كيف ينتزع هذا النظام الاعترافات ويتعامل مع معتقليه!
من الإبداعات الثورية بلبل الثورة الحموي، إبراهيم قاشوش، الذي دفع حياته ثمناً لمواله المعروف "يا الله إرحل يا بشار"، الذي تردده اليوم الملايين؛ فعذبوه واقتلعوا حنجرته، لكنه تحول إلى شخصية تاريخية. ومن ذلك أيضاً الشاب الشاعر، غير المعروف، من بصرى الشام، الذي صدح بقصيدة "معليش درعا"، فأصبحت من أشهر قصائد الثورة السورية.
بالرغم من المجازر والقتل والإبادة، وبالرغم من الجحود الدولي والإقليمي، فإنّ الشعب السوري اليوم يرسم لحظة تاريخية يتقدم فيها على مجتمعات وأمم الأرض قاطبةً، ويتجاوز فيها الثورات المعروفة، ويؤكد على أنّه "لا رجعة".
(الغد)