بكل بساطة أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما "أن سعي الفلسطينيين للحصول على الاعتراف بدولتهم في الأمم المتحدة هو انحراف عن مسار السلام في الشرق الأوسط ولن يؤدي إلى حل النزاع، فهذه المسألة لن تحل إلا إذا توصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق.. لان ما سيحدث في نيويورك(الأمم المتحدة) لن يغير ما يجري على الأرض طالما أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يجلسوا معا" حول طاولة المفاوضات مجددا.
وهدد بإفشال المسعى الفلسطيني في مجلس الأمن وقال "لقد سبق لي وان قلت علانية انه إذا طرح هذا الأمر على مجلس الأمن فعندها سنعارضه بقوة"، وكانت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أكثر تعبيرا عن رئيسها بقولها "لن يكون من الممكن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة عبر مجلس الأمن الدولي ولا الجمعية العمومية".رغم أن إسرائيل نفسها قامت بقرار من الأمم المتحدة.
هذا الموقف المناوئ لحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم يفضح إستراتيجية إدارة أوباما التي تتبنى الأجندة والرؤية الإسرائيلية كاملة ولا ترى الأمور في المنطقة إلا من خلال عيون إسرائيلية، وتشهر حق النقض "الفيتو" في وجه أي خطوة فلسطينية إلى الأمام وهو ما دفع شخصية بوزن الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق والسفير السعودي السابق في الولايات المتحدة، إلى تحذير واشنطن، من انه في حال استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض ضد الطلب الذي يعتزم الفلسطينيون تقديمه للأمم المتحدة فان السعودية "لن يكون بمقدورها مواصلة تعاونها مع الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي دأبت عليها.. وسيؤدي استخدام الفيتو الأمريكي إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة وتقويض امن إسرائيل وتعزيز النفوذ الإيراني وزيادة مخاطر اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط..وان المسؤولين السعوديين سيضطرون إلى تبني سياسة إقليمية أكثر استقلالية وحزما".
مشكلة الإدارة الأمريكية أنها تصاب بعمى الألوان وتفقد القدرة على الموازنة والاعتدال والتصرف بطريقة تحافظ بها على مصالحها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل ، بل تبدو وكأنها تجازف بكل مصالحها في العالم العربي والإسلامي مقابل دعم إسرائيل، وكان إسرائيل أهم من أمريكا ومصالحها وهي مجازفة ستكبد واشنطن الكثير من الخسائر.
يحتار العرب والفلسطينيون بالتعامل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية، فالعرب والفلسطينيون قدموا كل التنازلات دون الحصول على مقابل سوى دعم الاحتلال وغض الطرف عن الاستيطان ومساندة الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
يفترض أن ما يسمى "بعملية السلام" التي بدأت قبل عشرين عاما في أوسلو، أن تؤدي إلى قيام دولتين واحدة إسرائيلية، وهي قائمة بالفعل والأخرى "دولة فلسطين" يسعى الفلسطينيون لإقامتها الا ان الدول الراعية للتسوية" أمريكا وأوروبا واللجنة الرباعية، تعرقل قيام الدولة الفلسطينية التي يفترض أنها تتبناها نظريا كحل "لمشكلة الشرق الأوسط".
ومن هنا فمن المنطقي أن يلجا الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإقامة دولة فلسطينية بعد فشل عقدين من المفاوضات التي لم تسفر سوى عن تهويد القدس والضفة الغربية، وتلغيم الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين، وحصار قطاع غزة في حرب إبادة جماعية ضد شعب بأكمله، فالمفاوضات ليست هدفا بل وسيلة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي حسب المعايير الأمريكية، لكن إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة حولت المفاوضات إلى "سيرورة عبثية" لإضاعة الوقت لتستمر 100 عام كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "اسحق شامير، عند انطلاق المفاوضات في مدريد.
سياسة إدارة أوباما الديمقراطية في تعاملها مع ملف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم تختلف عن سياسة إدارة بوش الجمهورية فهي تتبنى نفس المقاربات وتتماهى مع إسرائيل وكأنهما دولة واحدة، وهذا ما يجعل التوصل الى حل ينهي الاحتلال الاسرائيلي صعبا للغاية، لان الولايات المتحدة ليست وسيطا بل طرفا في المشكلة.
عملية السلام فشلت، وعرقلة حصول الفلسطينيين على دولة خاصة بهم يعني العودة إلى المربع الأول وربما إلى الحرب أيضا، كما حذر الأمير السعودي تركي الفيصل، وهو تحذير صادر من حليف لأمريكا، ربما تدرك الولايات المتحدة خطورته وأهميته ولكن بعد فوات الأوان.
hijjawis@yahoo.com