تتنبأ نظريات العلم الحديث أن إنسان الزمن القادم، ستقل عدد الأسنان في فكيه، وأنه لن تبزغ له أضراس العقل، فهو لم يعد بحاجة لعملها وجهدها، في المضغ أو الخضم أو القضم، فطعام المستقبل سيكون من الليونة والطراوة بمكان، أن تقوي عليه حتى بضعة أسنان من البولسترين!!، فإنسان الغابة الأول كان طعامه قاسياً وخشناً؛ ولذا كان بحاجة إلى هذه الأسنان الإضافية!!. لكني سأكون مع الطرف الذي لا يوافق العلم في رويته وتنبؤه وتصوره، فأضراس العقل ورغم أنها مزعجة وخارجة عن إطار الفائدة أحياناً، إلا أنها ستظل تبزغ في هذا الفم البشري، ما دام الإنسان على صفيحة الأرض الساخنة بالمجازر، فما دام هناك ناهشون يقتاتون بلحوم الآخرين، وهم ضاحكون من كل قلوبهم، ستظل تبزغ الأضراس كأنياب الذئب، وستظل تبزغ أيضاً، وما دام هناك من يعضّ على النواجذ (الأضراس) صبراً وتحملاً، فلربما خرجنا من حياة الغابة قاسية الطعام، لكننا بتنا نحيا حياة غابة جديدة، ولهذا لن نكون بغنى عن أضراس العقل مهما لان طعامنا مليناً!!!.
ولأن الإنسان في مجمل مراحل عمره، لا يبعد كثيراً عن طفولته، فمهما أبحر في العمر وعمّر، تبقى لديه مشكلة ظهور أضراس العقل، فكأن الواحد منا لا يبلغ سن الرشد بحق؛ إلا إذا بزغت له هذه الأضراس المزعجة، التي كثيراً ما تنبت معوجة مسببة آلاما لا تحتمل، فهل هذه ضريبة إضافية للرجولة أم أنها ضريبة ابتدائية لمحاولة فهم هذا العالم؟!!!.
الملك ريتشارد الثالث، وعلى ذمة شكسبير، ولد وبفمه أسنان كاملة البزوغ، حيث كان قادراً على قضم كسرة خبز يابسة!، وهو في الساعة الثانية من عمره!!، الأمر الذي سبب معضلة عويصة، لدى المرضعات اللواتي أحلن على التقاعد المبكر بسبب فقدانهن رؤوس حلماتهن بفم هذا الطفل الكبير!!.
والتاريخ يذكر لنا كثيراً من الشخصيات التي ولدت بأسنان، وكأنهم يتعجلون القضم والخضم، من أمثال يوليوس قيصر، هنبيال، الملك لويس الرابع عشر، ونابليون، وكان بودي لو أعرف عدد الأنياب التي ولد بها بوش!!!.
عندما كانت تتساقط أسناننا اللبنية، على عتبات الطفولة الأولى، كنا نبكي خوفاً وخشية من أن نظل درداً(أي بلا أسنان)، كأجدادنا المساكين، لكننا كنا نلجأ إلى عين الشمس، فنرمي إليها بسن الحمار، ونتمنى عليها أن تمنحنا أسنان الغزال البيضاء القوية، وكبرنا ومُنحنا أسناناً تقدر على نهش لحم الغزال، لكنها تظل آيلة للنخر والتسوس!!.
وقريبا من عين شمس الحقيقة، التي ترينا هذا الكم الهائل من الأضراس المتحفزة للنهش، فالإنسان لا يضحك من كل قلبه، ومن كل عقله، إلا إذا بدت نواجذه، وكذا الإنسان الذي يتألم حد النخاع، لا بدَّ له ويعض على نواجذه؛ لزيادة صبره وتحمله، ولصعوبة هذه المعادلة المشاكسة، فكثيراً ما يهمزني ضرس العقل بألم لا يوصف، فاقرر أن أشلعه من جذوره، فقد لا تحتاج كثيراً من العقل لفهم هذا العالم المجنون!!. ramzi972@hotmail.com