مدير الأمن العام .. أحسنت!!
أ.د عمر الحضرمي
13-09-2011 04:29 PM
لعل أوّل وأهم ما تقوم به المجتمعات المتحضرة، في العادة، هو إزالة تلك المتاريس وهدم تلك الجدر القائمة بين المواطن وبين المسؤول. وفي الدولة الحديثة الراشدة الصالحة، فإن "السلطة" تعتمد منهج المكاشفة وقبول المساءلة، وتضع نفسها تحت المراقبة وترتضي بها، وتسعى لاحترام الرأي الآخر الذي ربما يتعارض مع رؤيتها، لذلك فإنها تحمي حق المعارضة المعتمد في أصله على ضمان الحريات. وحتى يتم ذلك فإن هذه "السلطة" غالباً ما تُدير حوارات جريئة لا خطوط حمراء فوقها أو محاذير تقف أمامها أو تعترض مساراتها، وهذا ما فعله مدير الأمن العام يوم السبت (10/9/2011) وذلك عندما دعا كوكبة من الصحفيين المشهود لهم بالمهنية والعلمية والموضوعية، وذلك في جلسة طغت عليها أجواء الحوار الصحيح والصريح والمنفتح والمفتوح، إذ لم تكن هناك سقوف أو ممنوعات أو رفضٌ أو قمع أو تجاهلٍ أو استجهال.
وأنا هنا لن أتحدث عن المواضيع التي تم طرحها، ولن أتناول ما حققته أجهزة الأمن العام المختلفة كما عرضها المدير، ولكن ستكون مقاربتي ضمن محاور خمسة:
أولاً: لقد كان عقد المؤتمر بحد ذاته خطوة جريئة تدل على ثقة المدير وجهازه بإدارة الوظيفة التي يقومون بها على أحسن وجه، وبالإنجازات التي حققها الطرفان في الوقت الذي عجزت مؤسسات أخرى حتى عن فهم الواجبات الملقاة على عاتقها، لذا فإنها باتت تخشى مجرد الحديث مع الجسم الصحفي الأردني الذي أثبت أنه على مستوى عالٍ من المسؤولية. وذلك لأن من يعجز عن الأداء فإنه بالضرورة يخشى من مواجهة هذا الجسم بشكل مُجتَمِع.
ثانياً: لقد دعا المدير كل قادة الأجهزة التابعة له، ووضع الجميع في مواجهة مسؤولياتهم وطلب من كل واحد منهم أن يجيب على ما طُرح من أسئلة تخص دائرته. ومن الملفت للنظر أن المدير لم يحاور في أية مرحلة من مراحل الحوار أن يتدخل لصالح هذه الدائرة أو ذلك الجهاز، إنما أحسست أنه كان يقف مع الطرح الذي يقدمه الصحفي، وكأنه يشد على يديه ويطلب منه المزيد من إلقاء الضوء على احتياجات الناس ومطالبهم. لذلك كنت أسمع بعد كل سؤال تلك الاستجابة الفورية من قبل المدير لما يثيره الصحفيون، ويؤكد كل منهم أنه سيتابع شخصياً ومن خلال تعاونه مع مساعديه ورؤساء الأجهزة كل ما قيل. لذا فقد أحسست أنه قد تعامل بكل جدية مع جميع القضايا سواء كانت مركزية أم فرعية، وأعطى لكل واحدة منها حجماً كبيراً من الاهتمام.
ثالثاً: كثيراً ما سمعت من مدير الأمن الاعتراف بالتقصير من قبل جهازه، إذا ما كان ذلك واقعاً، ولم يحاول أن يتهرب أو أن يبرر، إلا إذا كان أمر التقصير متعلقاً بعدم وجود الإمكانات. إضافة إلى ذلك فإنه قد بدا أن المدير لديه اطلاع على كل الحيثيات المتعلقة بالجهاز الذي يقود. إذ كان في جميع الحالات يجيب على الأسئلة والملاحظات بكل دقة وبكل توسع محيطاً بكل التفاصيل.
رابعاً: لقد أظهر مدير الأمن العام من خلال تعاطيه مع الصحفيين، ذلك الاحترام الذي يُكنه للجسم الصحفي، وذلك الأمل أن يزداد التعاون بينه وبين جهازه الأمني، دون حدود ودون محاذير، وهذا مما وجه دقائق المؤتمر نحو احتلال ذلك المستوى الرفيع من الحوار الحضاري الواثق الهادئ.
خامساً: لقد فتح مدير الأمن العام الباب على مصراعيه أمام كل الإمكانات للمساءلة والمكاشفة والرقابة، ومع ذلك لم ألحظ، ولو لثانية واحدة، أنه كان متوتراً أو متضايقاً من أي سؤال يطرح حتى لو كان سؤالاً خشناً أو ملاحظة وعرة.
هذه سنّة مُباركة على جميع مؤسسات الدولة اقتفاء أثرها، وعلى جميع أجهزة السلطة التعامل مع الجسم الصحفي بما يستحقه من احترام، ويجب الاعتراف بأهميته وضرورة التعاطي معه بكل أريحية وإيجابية وتقدير.
بالتالي أقول شكراً لمدير الأمن العام... فلقد أحسنت!!