الملك وحديث الهوية .. زيارة للعقل * د. مهند مبيضين
د.مهند مبيضين
12-09-2011 06:22 PM
من زمن يراه مناسبا وفرصة تاريخية لنفتح الصفحة الجديدة في تاريخ الأردن، ويراه الآخرون عقوبة لأنه زحزح مسلمات الطاعة، بدا الملك أمس في لقائه نخبة من المثقفين وأهل الفكر، متفائلا ويقظا لما يدور من حديث في الشأن الوطني، فهو لا يكل عن العمل والمراهنة على أن مستقبل "أبنائنا" سيبقى شغله الشاغل، ولهذا، يفتح الباب لبحث سؤال الهوية ويدعو للعمل المستمر كي لا يفوتنا قطار التاريخ الجديد.
والملك، واعٍ لما يجب أن يجادل لأجله الأردنيون، فهو جدل مطلوب لأجل تفاهم واضح على الهوية، وبناء الشخصية الوطنية، كي لا تكون مجرد أقاويل وكلمات وتهويمات يريد البعض من خلال أفكارهم أن يجروا البلد إلى ما لا يريده جل أبنائه.
استخدم الملك مثال المصريين في اعتزازهم بوطنهم ووطنيتهم، وهي استعانة محمودة، وتلك مسألة متعلقة بالوعي بالوطن، والروح العالية التي يجب أن تسكن الأفراد والجماعات كي تظل الوطنية "غربال المواطنة الأول". وهي استعانة في سياق الزمن الراهن، وفي حديث ومزاج مرح وكأنها كانت مطلوبة لتعدل من حدة الوعي المطلوب أمام وقار السمعة العلمية والثقافية التي لها في ذهن الملك حيطان عالية يمكن أن تكون عونا للوصول إلى الأفضل وطنيا.
وفي هدأة النفس وعزم الشباب وحكمة الشيوخ راح الملك يبث أسئلته، وكأنها الأفق الجديد للأجيال المقبلة، وهو فوق كل ذلك، يخاطب العقل المفكر في الوطن –مثقفين وأكاديميين- وكأنها زيارة عقل، بدا فيها مستنكرا للأقاويل عن خطر الوطن البديل، وهو يستنكر فكرة "البديل" ويرفضها ويقول مصرحا "الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين".
أمس كان المحلي حاضرا في سؤال الهوية، نفى الملك مقولة الضغوط، لعل اليقين يحل على أدمغة المجادلين، لكن أحيانا كأن "الران" يغطي قلوبهم، فلا هم يعقلون، والناس من اكراهاتهم لا يستطيعون فكاكا، والمطلوب درجة من العقلانية في الجدل ومزيد من الحرية والتأسيس للهوية الناضجة بالمزيد من الإصلاح والديمقراطية والحرية والعدالة، فنحن كما قال الملك "نقدم الأردن كنموذج للإصلاح في منطقة الشرق الأوسط.."
كلام الملك ومن حضر، كان مناسبة لفتح السؤال المقبول والمشروع على الهوية، في زمن بات الكل يتحدث فيه عن مصريته وليبيته وسوريته، دونما انكفاء على الذات، وهو زمن لم يفت الملك التذكير بأننا أنجزنا فيه إصلاحات دستورية وقوانين ومبادرات ولجانا سوف يكون لعملها أثر مباشر على تحقيق الإصلاح المطلوب، والذي لا يتناقض مع الحسم بمقولة الهوية الأردنية، التي يجب أن لا تكون شأنا للدولة وحسب، بل هي واجبة على كل فرد من أفراد المجتمع الأردني.
دعوة الملك أمس كانت للتحلق حول الوطن، ونبذ المقولات الرديئة اليائسة في الزمن السياسي الراهن والتي تخترع أو يعيش عليها بعض الأيدلوجيين وهماً أو محاذرة كي لا يعترفوا بأردنيتهم، وهي دعوة لمن يحركهم الخوف على الأردن وهويته إلى حد الشطط كي يقنعوا بأن الأردن ظل وسيبقى صعبا وعصيا على الانكسار بحبهم وبذلهم لأجله.
Mohannad974@yahoo.com
(الدستور)