* هل حقّاً أنّ "الجماهير.." لا تفهم لغة العقل؟، كما يقول "غوستاف لو بون"، عالم الاجتماع الفرنسي الشهير، في كتابه "سيكولوجية الجماهير.."، الصادر قبل أكثر من مئة عام.
* وهل تُمكن الافادة من أفكاره القديمة، بعد كلّ هذا التطور الذي شهدته الشعوب، في فهم موجات الاحتجاج المتوالية لشعوبنا العربية، فيما بات يُعرف ب"الربيع العربي.."؟
* حقائقُ أربع، يؤكّدها "لو بون.." عن الجماهير: 1- لا يمكن اقناع الجمهور بأية فكرة، بالاستناد الى وسائل عقلية 2- فهو، أي الجمهور، يفضّل مخاطبته بالشعارات وبلغة الصورة والايحاء 3- كما أنّه بحاجة الى قيادة، اذ لا يمكنه التحرّك من دونها 4- وأنّ هنالك "تبادل للوهم السياسي والديني.." بين الجماهير وقيادتها.
تلك الأسس الأربعة، تعني "غياب العقلانية.."، التي هي الشرط المحرّك للجماهير. حيث تصبح حركتها سحراً يصعب على النخبة والقادة والزعماء مقاومتها، عند الانخراط فيها.
* هل انحكمت الانتفاضات العربية الراهنة الى هذه الأسس في تحرّكها؟ وهل كان هناك دور للوعي الجمعي للجماهير في تحديد أهداف تلك الانتفاضات؟
* من الخصائص المحرّكة للجماهير: سرعة الانفعال، التأثر، التعصب، واللاوعي في التحرك. فهل كانت الشعوب العربية كذلك أثناء انتفاضاتها الحالية؟
* واذا كان الجمهور عاجزا عن التفكير المتعقّل، ويحتاج الى قيادات تقوم بتعبئته بأدوات ومؤثرات مختلفة، لتجيّيشه نحو أهداف محدّدة، بما في ذلك استخدام الشحن الديني والسياسي والتاريخي والأسطوري، والخيال الجمعي الشعبي. فهل ما رأيناه في الشوارع العربية ينسجم مع هذه الأفكار؟ أم أنّ علم نفس الجماهير يحتاج الى اعادة نظر، بعد الانتفاضات العربية، بما في ذلك سلوك القيادات العربية، من سقط منها ومن هو في طور الايناع؟
* يُقال أنّ الشعارات والكلمات الرنانة لها سطوتها على عواطف الناس، والأوهام لها حضورها الأسطوري كذلك. باعتبار أنّ الجماهير لا تستطيع استيعاب الحجج العقلية، أو أنّ الخطاب العقلاني لا يجذبها، لتفضيلها كل ما هو وهمي وفوضوي. فهل كانت الجماهير العربية كذلك، أم أنّنا رأينا تكثيفاً وواقعية في الشعارات والأهداف المرفوعة، من قبل الناس البسطاء، بما يفوق ما يفعله المنظّرون والمحللون السياسيون والخبراء؟!
* من المعروف، وهو ما يؤكده علم نفس الجماهير، أنّ محرّكي الجماهير، بالخطابة والتحريض والتحميس والتحشيد، يتوجهون الى عاطفتها لا الى عقلها، ، باعتبار أنّ قوانين المنطق العقلاني ليس لها تأثير في الناس. فهل حقاً شاهدنا "فوضى الوعي لدى الجماهير العربيّة.."، أو انحكامها الى العاطفة، وهي الخاضعة، ومنذ عقود، الى تأثيرات الخطابين الديني والسياسي، وعلى نحو لم تشهده شعوب أخرى من قبل؟
كأنّنا بحاجة الى التعرف من جديد على شعوبنا العربية، بما في ذلك الأجيال الجديدة، أي أبناؤنا، الذين نزعم أنّنا من ربّاهم ونعرفهم أكثر من أنفسنا. لنفاجأ بأننا لا نعرف حتى أنفسنا، بقبولنا العيش في بطن الحوت العربي أعمارنا وأكثر..!؟ وحين خرجنا، اكتشفنا رعب الحوت وخوفه في عينيه، بمجرد أن اصطدمت بصائرنا بخيط الفضاء الرحب..!
rakan1m@yahoo.com
(الدستور)