لماذا لا "نثق" بالحكومة؟!
د. محمد أبو رمان
12-09-2011 04:38 AM
على مدار حلقتي عصف فكري مغلقتين، عقدهما مركز الدراسات الاستراتيجية، جرى حوار عميق هادئ بين نخب وقوى سياسية حول موضوعين أساسيين في السجالات الإعلامية والسياسية.
الحلقة الأولى عقدت في المركز، الأسبوع الماضي، بين نخبة من السياسيين المرموقين وقيادات نافذة في جماعة الإخوان المسلمين، وجرى خلالها مناقشة مواقف الحركة من التعديلات الدستورية والعلاقة مع الدولة وما يثار من "تشكيك" رسمي في نوايا "الإخوان".
الحلقة الثانية، عقدت في البحر الميت، يوم السبت، وشارك فيها وزير التنمية السياسية ورئيس مجلس الأعيان، وعدد من الأعيان البارزين والنواب الممثلين للكتل النيابية، بالإضافة إلى قيادات إخوانية وسياسية (المتقاعدون العسكريون، الجبهة الوطنية للإصلاح، اليسار الاجتماعي، حركة دستور 52، التيار القومي التقدمي)، وخبراء في القانون الدستوري، وتم خلالها مناقشة التعديلات الدستورية والاعتراضات التي جرت عليها من قوى سياسية متعددة، وأهم البنود الخلافية، وإدارة عملية التعديلات خلال المرحلة المقبلة.
في المحصلة، القناعة الرئيسة التي خرج بها عدد كبير من المشاركين هو أنّ الحكومة كان بإمكانها تجنب كثير من الأزمات والمشكلات والأخطاء الفادحة لو أنّها أدارت أو ساهمت بإدارة حوارات شبيهة بهذا لمناقشة التعديلات وقانون الانتخاب، وهي بالمناسبة مسألة لم تكن صعبة، لو امتلكت الحكومة فن إدارة العملية السياسية بصورة محترفة.
هنا بيت القصيد، فـ"مطبخ القرار" يأخذ تصريحات القوى السياسية ومواقفها المعلنة من زاوية واحدة فقط، وهي اتهامها بالتصعيد وبوجود "نوايا" انقلابية لديها، وبرفض طاولة الحوار. لكن المسؤولين يقفزون على مرحلة طويلة جذّرت مساراً من "فقدان الثقة" بين المؤسسات الرسمية والقوى السياسية المعارضة، تخلله تزوير انتخابات بلدية ونيابية، وتراجع في الحريات العامة، واختلالات كبيرة في المشهد السياسي.
هذه "الحالة" لن تزول بين ليلة وضحاها، ولن تتغير مرة واحدة، فهي بحاجة إلى خطوات متراكمة ومتتالية لإعادة بناء الثقة، ليس فقط بين المعارضة و"مطبخ القرار"، بل بين الدولة والمجتمع، وهي الحالة الأكثر خطورة وحرجاً.
المعارضة سعت إلى تغيير المادة 35 من الدستور، بالنص على "اختيار الملك لزعيم الأغلبية النيابية" لتشكيل الحكومة، فيما التعديلات أبقت النص بدون ذلك. الهدف لدى المعارضة هو تغيير عملية تشكيل الحكومات لتصبح ممثلة للشعب، بينما الحكومة، ومعها وجهات نظر قانونية وسياسية، ترى أنّ مثل هذا النص ليس ضرورياً، بل يبنى مع العرف وتطور الواقع السياسي ليحتضن بيئة حزبية متعددة.
ما يغطس وراء الاختلاف حول هذه المادة وغيرها من المواد (تشكيل مجلس الأعيان، تكوين المحكمة الدستورية، الهيئة المشرفة على الانتخابات، تحصين المال العام من الفساد، توسيع صلاحيات مجلس النواب في مناقشة الموازنة...) ليس نقاشاً فنياً محضاً، حول هذا النص أو ذاك أو العبارات المستخدمة فيه، مع أنّ إحكام الإصلاحات الدستورية ضروري، لكن ما يفوق ذلك ويتجاوز أهميته هو أنّ الهاجس الرئيس لدى المعارضة هو فقدان الثقة بالسلطة التنفيذية وجديّتها في الإصلاحات المطلوبة، ما يجعل خطاب المعارضة يتشدّد كثيراً عند نصوص معينة، في محاولة لجعلها "ضمانات" ضد التزوير أو تغول السلطة التنفيذية والمنظور الأمني مرّة أخرى. ما نحتاج إليه هو مناخ من الحوار المحترم العقلاني كي نقرأ بعضنا بعضا جيداً بعيداً عن "حرب النوايا" والتشكيك الجاهز، وهو ما نأمل أن نستدركه في موضوع التعديلات الدستورية خلال مناقشة البرلمان لها، وعدم التسرع في إقرارها بدون محاولة الوصول إلى تفاهمات أكبر حولها.
دعونا نستمع لأنفسنا قبل أن نثرثر أمام الدبلوماسيين الغربيين ونبوح لهم بما لا يتحدث به المرء مع زوجته!
(الغد)