كل استطلاعات الرأي التي جرت على مدار العقد الماضي تشير إلى أن أكثر من 90% من العرب (بما فيهم الأردنيون) يرون في إسرائيل دولة عدو. وأحد أسباب تراكم هذه الانطباعات العدائية وتجذرها لدى الغالبية الساحقة هو عدم فهم إسرائيل أو عدم رغبتها في فهم أن السلام المجزأ لن ينجح في التقليل من حالة العداء الشعبي لإسرائيل، وزاد من الطين بلة الأحادية الإسرائيلية التوسعية بعد التوصل لإتفاق أوسلو الذي تبخر بشكل كامل على نيران التوسع الإسرائيلي وغطرسة القوة التي مارسها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وفي لحظة تجلي، يكشف الربيع العربي عن وجهه الحقيقي، فمع أن مصر لم تتطور إلى ديمقراطية بعد فإن أي حكومة مصرية تنتخب في قادم الأيام ستأخذ بعين الاعتبار حالة الرفض والعداء الشعبي لإسرائيل. لذلك جاءت حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية في تل أبيب وهروب أو لنقل تهريب السفير الإسرائيلي وطاقمة على متن طائرة خاصة إلى تل أبيب.
والآن تدرك إسرائيل أنها فقدت حليفا استراتيجيا مع ذهاب حسني مبارك، فالأخير طوّر علاقة إستراتيجية مع تل أبيب وزادت حدتها عندما اعتقد مبارك أن طريق التوريث تمر عبر تل أبيب ما قلل من قوة مصر في الضغط على إسرائيل. فالعلاقة الخاصة التي أقامها مبارك مع الإسرائيليين شجعت تل أبيب على التملص من استحقاقات السلام لكنها في الوقت ذاته زادت من سخط الشعب المصري على السياسات الإسرائيلية التي كانت مهينة للعرب، لذلك لم يكن مستغربا أن تهاجم السفارة الإسرائيلية بهذا الشكل وبخاصة بعد أن قامت قوات إسرائيلية بقتل جنود مصريين في سيناء ورفض اسرائيل تقديم اعتذار عن الحادثة.
تكشف حادثة السفارة بأن تحرر العرب من نيران الظلم والديكتاتورية سيفضي إلى نسق مختلف من العلاقة مع إسرائيل، فمع أن مصر تصر على تمسكها بالاتفاقات الدولية التي وقعها النظام السابق مع إسرائيل فإن تبرير العلاقة لم يعد ممكنا في ظل استمرار إسرائيل في التوسع، فالبيئة العربية الجديدة التي تبلورت نتيجة للربيع العربي لم تعد تسمح بعلاقات طبيعية مع تل أبيب في وقت ما زالت فيه الأخيرة مستمرة في استكمال المشروع الصهيوني في التوسع على حساب الفلسطينيين.
بكلمة، كان هناك من يعتقد أن انشغال العرب في ربيعهم يمنح إسرائيل فرصة لترتيب أوراقها، لكن الرد المصري وقبله التركي يثبت بأن التحولات في الإقليم سترفع من ثمن (price tag) استمرار إسرائيل في السياسات إياها.
hbarari@gmail.com
(الرأي)